استمع إلى المقال

رغم أهمية طاقة الرياح الكبيرة وفوائدها على البشرية، إلا أنها لا تزال غير قادرة على منع التلوث بشكل كاف، خصوصا وأن العالم يمر بمرحلة تغير مناخي غير مسبوقة، فما الذي يمنع طاقة الرياح من كبح التلوث.

دراسة جديدة أظهرت، أن طاقة الرياح لا تنظف أكبر قدر ممكن من التلوث، خاصة في المجتمعات والأحياء منخفضة الدخل. رغم أن ازدهار طاقة الرياح في الولايات المتحدة، نتج عنه مليارات الدولارات من الفوائد الصحية. 

بحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة “Science Advances”، فإن طاقة الرياح لم تتدفق إلى المجتمعات التي كانت تاريخيا مثقلة بأكبر قدر من تلوث الهواء، مستدركة بأنه يمكن أن يتغير ذلك إذا تم نشر مشاريع طاقة الرياح الجديدة بشكل أكثر استراتيجية.

تقرير لموقع “The Verge“، قال إنه بحلول عام 2014، أدت الكميات المتزايدة من طاقة الرياح إلى تحسين جودة الهواء بشكل ملموس، ما أسفر عن فوائد صحية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لكن 32 بالمئة فقط من هذه المزايا وصلت إلى المجتمعات ذات الدخل المنخفض.

قد يهمك: الصور الأولى من تلسكوب جيمس ويب وأسرار الكون التي يكشفها لنا

عيوب طاقة الرياح

في غضون ذلك، حددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، هدفا يتمثل في ضمان وصول 40 بالمئة من فوائد الطاقة النظيفة إلى “المجتمعات المهمشة والمحرومة من الخدمات والمثقلة بالتلوث”.

الدراسة المنشورة، أشارت إلى أنه بحلول عام 2014، ساهمت طاقة الرياح في 2 مليار دولار من الفوائد الصحية، مدفوعة بمعايير الكهرباء المتجددة التي وضعتها عشرات الدول، وحسّنت جودة الهواء، إلا أنه  لا يزال هناك الكثير من التقدم الذي يتعين إحرازه. 

ما يدلل على ءلك، هو أن أكثر من 137 مليون مواطن أميركي، أي نحو 40 بالمئة من سكان الولايات المتحدة، يعيشون في مناطق تلقت درجات فاشلة في تلوث الهواء من جمعية الرئة الأميركية، كما ورد في الدراسة.

طاقة الرياح مستخرجة من الطاقة الحركية للرياح بواسطة استخدام توربينات الرياح لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتعد من أنواع الطاقة الكهروميكانيكية، وهي أحد أنواع الطاقة المتجددة التي انتشر استخدامها كبديل للوقود الأحفوري، وهي طاقة وفيرة وقابلة للتجدد وتوجد بعموم المناطق.

في التاريخ القديم ولعدة قرون استخدمت طاقة الرياح على شكل طواحين الهواء لمهام، مثل طحن الحبوب وضخ المياه، واليوم تُستخدم آلات الرياح المتطورة المعروفة باسم توربينات الرياح في أجزاء كثيرة من العالم لتحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية.

مع كل الفوائد الكبيرة لطاقة الرياح، يوجد لها بعض العيوب، إذ أن مولدات الرياح والشفرات قد تتسبب في إصابة الطيور وقتلها، لذا دائما ما يُنصح بأن تكون مزارع الرياح في مواقع مناسبة لتقليل التأثيرات على مجموعات الطيور المهاجرة، وعدم التأثير على الحياة البرية.

التوربينات البرية كذلك تؤثر على المنظر الطبيعي؛ لأنها تشغل مساحات واسعة من الأراضي أكبر من ما تشغله محطات الطاقة الأخرى، كما وبسبب حاجة بناء مزارع الرياح في أماكن برية وريفية لتكون فعّالة، يتسبب ذلك بفقدان المساكن الطبيعية للحيوانات وجعل الريف ذا طابع صناعي.

مزارع الرياح تعد من أسرع مصادر الطاقة نموا في العالم، وتتسابق مختلف الدول لتطويرها، بهدف توفير كهرباء نظيفة خالية من الانبعاثات لشعوبها، إلا أن التقنيات المستخدمة في طاقة الرياح ليست بمنأى عن اللوم إزاء التغيرات المناخية، حتى بات سؤال “هل طاقة الرياح صديقة للبيئة” غير محسوم، نظرا إلى أن العديد من المكونات تعتمد على الوقود الأحفوري.

قد يهمك: “جيمس ويب” يعثر على أول كوكب خارجي شبيه بالأرض.. ما التوقعات؟ 

ما هي التحديات؟

على سبيل المثال، تتطلّب توربينات الرياح زيوت التشحيم المشتقة من النفط لتشغيلها، التي تلحق أضرارا بالغة عند تسربها، ويحتوي كل توربين بقدرة 5 ميغا واط على 700 غالون من زيوت التشحيم، التي يجب استبدالها كل 9-16 شهرا.

كما يتطلب بناء توربين هوائي واحد 800 طن على الأقل من الفولاذ، وينتج كل طن من الفولاذ قرابة 1.85 طنا من ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن 2300 طن من الخرسانة، و41 طنا من البلاستيك غير القابل لإعادة التدوير، في وقت تشير التقديرات إلى أن الخرسانة مسؤولة عن قرابة 8 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.

خلال شهر حزيران/يونيو 2022، اضطر نحو 80 موظفا إلى إخلاء مشروع “سيغرين” الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات جنيه إسترليني، وعلى بعد 27 كيلو مترا من ساحل أنغوس في اسكوتلندا، بسبب تسرب أقوى الغازات الدفيئة في العالم.

موقع “الطاقة” الإخباري، أكد في تقرير له، أنه من المهم قبل تطوير مشروعات طاقة الرياح، إجراء مسوحات بيولوجية لتوفير البيانات المتعلقة بموائل الطيور ومواقع التعشيش ومسارات الهجرة.

أحد التحديات الرئيسة التي تواجه صناعة طاقة الرياح، يتمثل بتأثيرها في الحياة البرية، سواء بصورة مباشرة عن طريق الاصطدام بها، أو بصورة غير مباشرة بسبب التلوث وفقدان الموائل.

الطيور والخفافيش، تعد الأكثر تأثرا بتوربينات الرياح، وبقاؤها يعني القضاء على الحشرات الضارة التي توفّر فوائد اقتصادية بمليارات الدولارات للقطاع الزراعي سنويا، في وقت يشير العلماء إلى أن 500 ألف طائر يقتل سنوي٥ا بسبب الاصطدام بتوربينات الرياح، وأغلبها من الصقور والبوم والنسور المهددة بالانقراض.

في نهاية عام 2021، قاضت “جمعية أودوبان البيئية” الأميركية، مقاطعة ألاميدا في ولاية كاليفورنيا بعد موافقتها على تطوير مشروع لتوربينات الرياح، بحجة أنه يمثل تهديدا للطيور والخفافيش في المنطقة، وزعمت أن المشروع حظي بمراجعات بيئية ضعيفة، مردفة أن التوربينات تشكل خطورة على أنواع الطيور المهاجرة، من بينها النسر الذهبي، وبوم الجحور الغربي ذات الأرجل الطويلة، في وقت تعد النسور الذهبية من الطيور المعرضة لخطر الانقراض منذ عام 1940، وخضعت للحماية بموجب قانون اتحادي في أميركا.

“خطرة على الإنسان”

رغم التركيز الأكبر على عدد وفيات الطيور بسبب طاقة الرياح، فإنها يمكن أن تشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة وسلامة الإنسان، ففي عام 2014 دعا تقرير صادر عن وزارة الصحة الفنلندية إلى تطوير مزارع الرياح بعيدا عن المنازل لمسافة لا تقل عن كيلومترين.

في عام 2011، أكدت شركة “رينوابل يو كيه” وقوع نحو 1500 حادث في توربينات الرياح بالمملكة المتحدة وحدها خلال 5 سنوات، بحسب صحيفة “ديلي تليغراف”، وفي إنجلترا، وقع نحو 163 حادثا لتوربينات الرياح، أودت بحياة 14 شخصا في عام 2011، حسب موقع “فوريس”  وفي 2019 أفادت التقارير بإصابة نحو 81 عالًا في مزارع الرياح بالمملكة المتحدة منذ عام 2014.

مع استمرار حوادث الشفرات، ووجودها بالقرب من المنازل والمجتمعات الريفية، فإن خطر الموت وإصابة الأشخاص يتفاقم، إما بسبب اصطدام المركبات بشفرات توربينات الرياح، وإما اصطدام الأشخاص بالأجزاء المتطايرة.

أحد المخاوف الأخرى المتعلقة بتطوير مشروعات طاقة الرياح هو تأثيرها في البيئة المائية، إذ يؤدي حفر أساسات توربينات الرياح إلى تقليل منسوب المياه الجوفية، ومن ثم حدوث تغييرات في توزيع المياه وتدفقها، فيما تشكل عمليات الحفر تهديدا باضطراب التربة وتلوث المياه الجوفية، فضلا عن التلوث الناجم عن زيوت التشحيم وتسربها ومواد البناء.

بالعودة إلى دراسة مجلة “Science Advances”، فإن مزارع الرياح الجديدة، تمكنت من تقليل التفاوتات في جودة الهواء في بعض الأماكن، لكن نمو طاقة الرياح أدى أيضا إلى تفاوتات تلوث أكبر في أماكن أخرى.

وفق الدراسة، فإنه لاستخراج أكبر الفوائد الصحية، تحتاج مزارع الرياح إلى استبدال محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز عن قصد، ولتنظيف الأماكن الأكثر تلوثا.

في السياق، قال زميل ما بعد الدكتوراه مينغاو كيو: “لندع طاقة الرياح تحل محل بعض النباتات الأكثر تلويثا أو ضررا، فقد يؤدي ذلك إلى قدر أكبر من الفوائد الصحية لجودة الهواء”.

كيو وجد مع فريقه الذي أعد الدراسة،  أنه إذا أعطى المخططون الأولوية لاستبدال محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري الأكثر ضررا بمزارع الرياح، فإن الفوائد الصحية البالغة 2 مليار دولار من طاقة الرياح في عام 2014 ستتضاعف 4 مرات لتصل إلى 8.4 مليار دولار. 

بالنتيجة، فإن طاقة الرياح لا يمكنها حتى الآن منع كل التلوث والحد من التغير المناخي بشكل جيد، ولكن لأجل الحد من التلوث البيئي، فإن ذلك يتطلب الكثير من الجهد من القائمين على مشاريع طاقة الرياح لتحقيق أهداف العدالة البيئية.

قد يهمك: التكنولوجيا الثورية في تلسكوب جيمس ويب: نافذتنا المطلّة على نشأة الكون

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.