استمع إلى المقال

منذ أكثر من عقدين، وبعد لقاء جاك ما، ضخ ماسايوشي سون استثمارا مبكرا بقيمة 20 مليون دولار مقابل نسبة 33 بالمئة من شركة “علي بابا” التي كان عمرها عاما واحدا فقط، وهي بوابة ويب لم تكن معروفة آنذاك تمثلت مهمتها في ربط المصنعين الصينيين بالمشترين في الخارج.

خلال عام 2014، تحول مبلغ الـ 20 مليون دولار إلى 60 مليار دولار بعد طرح الشركة الصينية للاكتتاب العام الأولي في بورصة نيويورك، بينما أصبحت قيمة الحصة أكثر من 150 مليار دولار في عام 2020 بعائد قدره 6500 ضعفا، مما جعله أنجح استثمار في تاريخ البشرية.

لكن الملفات التنظيمية المرسلة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية كشفت في شهر نيسان/أبريل المنصرم، أن مجموعة “سوفت بنك” تحركت لبيع ما تبقى من حصتها في شركة “علي بابا” من أجل الحد من وجودها في الصين، إلى جانب جمع السيولة، حيث أدى تراجع السوق إلى تقويض قيمة استثماراتها في التكنولوجيا.

في الوقت الذي كانت به “سوفت بنك” من أوائل المستثمرين في “علي بابا”، بدأت في العام الماضي ببيع أسهمها، حيث باعت المجموعة اليابانية، بقيادة مؤسس الملياردير ماسايوشي سون، خلال مجمل العام الماضي، 2022، ما قيمته 29 مليار دولار من أسهم الشركة الصينية.

كما باعت هذا العام ما قيمته 7.2 مليار دولار من أسهم شركة التجارة الإلكترونية الصينية، في أحدث علامة على تقليل تواجدها في الصين بعد استثمارها هناك لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي ساهم في خسارة “علي بابا” نحو 13 مليار دولار من قيمتها السوقية.

قد يهمك: “سيجيت” تواجه غرامات مالية.. ما علاقة “هواوي”؟

مشاكل “سوفت بنك” المالية

قبل 6 سنوات، أعاد المؤسس ورئيس مجلس الإدارة ماسايوشي سون توجيه شركة البرمجيات ومشغل الاتصالات لتصبح صندوق رأس مال استثماري مدرج في البورصة. 

في حين كانت شركات الهاتف تعتبر ذات مرة رهانا مهما في فترة الانكماش الاقتصادي، كان الاعتماد على التدفق المستمر لإدراج الأسهم هو الاستراتيجية الأساسية لصندوق “رؤية”. 

بعيدا عن أسواق الأسهم العامة، كان الصندوق قادرا أيضا على جني أرباح كبيرة من عمليات إعادة التقييم في شركات المحفظة لأنها جمعت جولات نقدية جديدة.

لكن القطار خرج عن مساره منذ 3 سنوات، مما أدى إلى انخفاض أرباح “سوفت بنك” ربعا تلو الآخر، بسبب ظروف السوق غير المؤكدة والاستثمارات التكنولوجية المتعثرة. 

كان الجاني الرئيسي هو الانخفاض المستمر في القيمة الصافية لممتلكات الصندوق في كل من الشركات العامة والشركات الخاصة.

"سوفت بنك" تبتعد عن "علي بابا".. بسبب الصين؟

على مر السنين، تكبدت “سوفت بنك”، التي كانت في يوم من الأيام أحد أكبر المستثمرين في وادي السيليكون، وصندوقها للاستثمار خسائر فصلية ضخمة وسط تباطؤ في قطاع التكنولوجيا أدى إلى تقويض التقييمات. 

خلال شهر شباط/فبراير الماضي، سجل الصندوق خسارة بمقدار 5 مليارات دولار، وهي الخسارة الرابعة على التوالي على أساس ربع سنوي.

في منتصف عام 2022، أوضح ماسايوشي سون، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة التكنولوجيا اليابانية الضخمة، أن “سوفت بنك” تتجه نحو وضع الدفاع وتكون أكثر تحفظا بعد أن تكبدت خسارة قياسية بلغت 23 مليار دولار في الربع الثاني من ذلك العام. 

قد يهمك: “بايت دانس” تجلب تطبيقا جديدا للولايات المتحدة.. ما موقف واشنطن؟

بداية الابتعاد عن “علي بابا”

قبل نحو ثلاث سنوات فقط، احتفظت “سوفت بنك” بحصة 25 بالمئة تقريبا في “علي بابا” بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار. في ذلك الوقت، كانت “علي بابا” هي الاستثمار الأكثر قيمة لمجموعة “سوفت بنك”.

في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أوضحت “سوفت بنك”، أنها قررت الاحتفاظ بحصة 14.6 بالمئة في “علي بابا”، لكن المبيعات المتتالية خفضت حصتها إلى 3.8 في المئة فقط، بعد أن كان المستثمر الياباني يمتلك ما يصل إلى 34 في المئة من الشركة الصينية.

خلال عام 2019، امتلكت “سوفت بنك” أسهما بقيمة 147 مليار دولار، استخدمت المجموعة اليابانية تلك الأسهم لجمع الأموال على مدار العام التالي، مع وجود “علي بابا” كضمان. 

على مدار العامين التاليين، كانت حصة “سوفت بنك” في “علي بابا” تدور حول نفس المستوى، لكن الأمور بدأت تتغير، حيث ارتفعت نسبة أسهم “علي بابا” المملوكة للمجموعة اليابانية والمطروحة للحصول على ضمانات، من 12 بالمئة في نهاية شهر حزيران/يونيو 2020 إلى 55 بالمئة بعد عامين. 

بعد فترة وجيزة، بدأت ممتلكات “سوفت بنك” بالانخفاض بشكل تدريجي في البداية، لكن تسارع الأمر بعد ذلك، حيث انخفضت قيمة حصة “سوفت بنك” غير المرهونة في “علي بابا” من أكثر من 50 مليار دولار في نهاية عام 2021 إلى نحو 16 مليار دولار في نهاية شهر كانون الثاني/ديسمبر 2022.

في حين أن جزءا كبيرا من هذا التدهور كان ناتجا عن انخفاض بنسبة 25 بالمئة في سعر السهم خلال العام الماضي، فإن الحقيقة هي أن “سوفت بنك” تبتعد عن “علي بابا”، حيث جاءت موجة بيع “سوفت بنك” في الوقت الذي انخفضت فيه أسهم الشركة الصينية إلى أدنى مستوياتها في 6 سنوات.

"سوفت بنك" تبتعد عن "علي بابا".. بسبب الصين؟

خلال شهر حزيران/يونيو 2020، أعلن ماسايوشي سون عن استقالته من مجلس إدارة “علي بابا” الذي انضم إليه كمدير في 2005، وتزامن ذلك مع استقالة جاك ما من مجلس إدارة “سوفت بنك” بعد 13 عاما.

كما تأتي مبيعات “سوفت بنك” في لحظة محورية بالنسبة للشركة الصينية التي تحاول إعادة اختراع نفسها من خلال الانقسام إلى 6 كيانات، حيث تعني غياب داعم قديم.

عبر الـ 14 شهرا الماضية، باعت “سوفت بنك” سهم “علي بابا” بسعر 92 دولارا، ما يمثل انخفاضا كبيرا بالمقارنة مع رقم 317 دولار، وهو أعلى سعر وصل إليه السهم في السابق.

فيما يتعلق بعمليات البيع، قالت “سوفت بنك”، “إنها تعكس تحولنا إلى الوضع الدفاعي، حيث نحاول تعزيز استقرارنا المالي من خلال زيادة السيولة المتوفرة لدينا”، لكن بعض المستثمرين رأى في هذه الخطوة وسيلة للحد من وجودها في الصين، حيث تواصل العملاقة اليابانية انتقائية استثماراتها.

قد يهمك: قصة خوف الصين من روبوتات الذكاء الصنعي

الرهان على اقتصاد الصين تغير

تحرك “سوفت بنك” لمواصلة بيع حصتها في “علي بابا” لا ينبغي أن يكون مفاجأة، حيث إن القيود المستمرة التي تفرضها بكين على الصناعة الصينية، ولا سيما قطاع الإنترنت، أدت إلى تفاقم الحاجة لتقليل التعرض للبلاد.

التوترات الجيوسياسية من المحتمل أنها أثرت بشدة على هذا القرار، حيث كان رهان ماسايوشي سون المبكر على “علي بابا” خطوة حاسمة في مسيرته المهنية، لكن هذا الاستثمار قد انتهت صلاحيته لأنها تأثرت سلبًا بالحملة التنظيمية على الصناعة التي بدأت في عام 2020.

بعد أن كان أحد المشجعين للمشهد التكنولوجي المزدهر في الصين، أصبح ماسايوشي سون أقل تفاؤلا مع توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، كما أدى قمع السلطات الصينية لشركات التكنولوجيا، مثل “علي بابا”، إلى تفاقم هذه المخاوف.

في السنوات الأخيرة، تعرضت “علي بابا” لرقابة مكثفة من الحكومة الصينية، مما تسبب بتراجع أسهمها، كما أن أفضل أيامها قد ولت، وذلك بسبب سيطرة بكين والتوترات المتزايدة مع الكثير من أنحاء العالم، إلى جانب أن وتيرة الاقتصاد الاستهلاكي في الصين لم تكن كما كانت عليه من قبل.

منذ 19 شهرا، تسارعت عمليات البيع، وسط حملة بكين ضد شركات الإنترنت وفي ذروة جائحة “كورونا”، التي أعاقت التجارة العالمية وضربت الاقتصاد الصيني بشدة.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020، خلال القمة المالية المنعقدة في شنغهاي، انتقد جاك ما، النظام التنظيمي الصيني بسبب خنقه للابتكار، كما انتقد البنوك المملوكة للدولة لتشجيعها على عقلية الرهونات.

نتيجة لذلك، أوقفت بكين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 الاكتتاب العام الأولي لشركة “Ant” المالية بقيمة 37 مليار دولار قبل يومين من الموعد المقرر لبدء التداول، حيث أطلق الرئيس شي جين بينغ حملة لكبح جماح مجموعات التكنولوجيا في البلاد.

الحملة الصينية الصارمة أدت إلى خفض سعر سهم “علي بابا” بنسبة 70 بالمئة، مما جعل “سوفت بنك” مضطرة لبيع معظم ممتلكاتها من أسهم “علي بابا” بالأسعار متكافئة مع الأسعار التي بدأت بها “علي بابا” التداول في بورصة نيويورك قبل 8 سنوات.

"سوفت بنك" تبتعد عن "علي بابا".. بسبب الصين؟

في شهر تموز/يوليو 2022، أضافت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية شركة “علي بابا” مع العديد من الشركات الصينية الأخرى إلى قائمة الشركات المهددة بالشطب، لكن الشركة الصينية استطاعت في شهر  كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه تجنب مخاطر الشطب عبر منحها الولايات المتحدة حق الوصول الكامل للتفتيش والتحقيق.

في السنوات الأخيرة، أصبحت البيئة التنظيمية لقطاع الإنترنت الصيني أكثر صرامة بشكل كبير، وفقدت “علي بابا” أكثر من ثلثي قيمتها بالمقارنة مع قيمتها في أواخر عام 2020، متأثرة بالإجراءات التنظيمية المتزايدة في قطاع التكنولوجيا التي شملت غرامة كبيرة ضدها والتدقيق في شركات جاك ما التجارية.

ختاما، فإن التوترات الجيوسياسية بين بكين وواشنطن تؤثر في قابلية الاستثمار ضمن الشركات الصينية، ولا تعتبر “علي بابا” حالة فريدة من نوعها، إذ ينفر المستثمرون الذين راهنوا منذ مدة طويلة على الاقتصاد الصيني من البلاد، بما في ذلك شركة الاستثمار “Prosus”، التي ألمحت بنيتها مواصلة بيع أسهمها ضمن “تينسنت”، أكبر مساهم فيها، مما أدى إلى تراجع شركة التكنولوجيا الصينية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات