تعد الثقة جانبًا مهمًا جدًا من التفاعلات بين الإنسان والآلة، إذ يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في الاستخدام واسع النطاق للروبوتات في ظروف العالم الحقيقي. ومع ذلك، فإن الثقة هي مفهوم معقد إلى حدٍّ كبير يمكن أن يعتمد على عوامل نفسية وبيئية عدّة.

وغالبًا ما تصف النظريات النفسية الثقة، إما على أنّها سمة مستقرة يمكن تشكيلها من خلال تجارب الحياة المبكرة، أو كحالة ذهنية متطورة يمكن أن تتأثر بالعديد من العوامل المعرفية والعاطفية والاجتماعية. لكن يتفق معظم الباحثين على أن الثقة تتميز عمومًا بميزتين أساسيتين: المواقف والتوقعات الإيجابية بشأن الطرف الموثوق به، والاستعداد لقبول المخاطر المحتملة المرتبطة بالثقة بالآخرين.

في هذا الصدد، أجرى باحثون في جامعة باليرمو الإيطالية مؤخرًا دراسةً تبحث في تأثيرات الكلام الداخلي للروبوت على ثقة المستخدم فيه. وأتى ذلك كتتمةٍ لورقةٍ بحثية نشروها سابقًا على مخدّم arXiv لنشر الأبحاث، حيث قدم الفريق نتائج تجربةٍ باستخدام روبوت يمكنه التحدث إلى نفسه بصوت عالٍ بطريقة تشبه الكلام الداخلي للبشر. إذ استكشف البحث السابق أداء الروبوت، من حيث الشفافية والمتانة، يتحسن عندما يتحدث مع نفسه.

وأظهر الباحثون في عملهم السابق أن أداء الروبوت يمكن أن يتحسن عندما يتحدث مع نفسه. أما في عملهم الجديد، شرعوا في التحقيق فيما إذا كانت هذه القدرة على التحدث إلى النفس يمكن أن تؤثر على كيفية إدراك المستخدمين من البشر لمصداقية الروبوت و”تجسيمه”؛ أي مدى إظهاره للخصائص البشرية.

أُجريت الدراسة الأخيرة على مجموعة من 27 مشاركًا. طُلب من كل من هؤلاء المشاركين إكمال مجموعةٍ من الاستبيانات التي تطرح أسئلةً على المشاركين حول رأيهم بإشارات الروبوت مرتين: قبل التفاعل مع الروبوت وبعد تفاعلهم معه. ومن خلال مقارنة نتائج الاستبيانات من المرحلتين المختلفتين، لاحظ الباحثون كيف يمكن أن يختلف تفسير إشارات الروبوت من منظور المشاركين بعد تفاعلهم معه. وبالتالي، استنتج الباحثون تأثيرات الكلام الداخلي للروبوت عليهم.

إن فهم عمليات صنع القرار لدى الروبوت ولماذا يؤدي سلوكيات معيّنة ليس بالأمر السهل دائمًا. وبالتالي، فإن قدرته على التحدث مع نفسه أثناء إكمال مهمةٍ معينةٍ يمكن أن تجعله أكثر شفافية، مما يسمح لمستخدميه بفهم العمليات والاعتبارات والحسابات المختلفة التي تؤدي إلى استنتاجات محددة.

وأوضح الباحثون أن “الكلام الداخلي هو نوعٌ من السجل القابل للتفسير”. وعلاوةً على ذلك، من خلال الكلام الداخلي، يمكن للروبوت تقييم استراتيجيات مختلفة للتعاون مع الشريك البشري، مما يؤدي إلى تحقيق أهدافٍ محددة أكثر كفاءة. وكل هذه التحسينات تجعل استخدام الروبوت أكثر متعةً للناس، وكما هو واضح، تعزز مصداقية الروبوت وتجسيمه.

وبشكلٍ عام، وجد الباحثون أن المشاركين أبلغوا عن ثقتهم في الروبوت أكثر بعد تفاعلهم معه. وبالإضافة إلى ذلك، شعروا أن قدرة الروبوت على التحدث إلى نفسه بصوت عالٍ تجعله أكثر شبهاً بالإنسان وأقرب إلى الواقع.

وفي المستقبل، يمكن أن تساعد آلية الكلام الداخلي الروبوتية التي طورها هذا الفريق من الباحثين في جعل الروبوتات الحالية والناشئة أكثر شبهًا بالإنسان، مما قد يشجع المزيد من المستخدمين على الوثوق بهذه الروبوتات وجلبها إلى منازلهم أو أماكن عملهم، وبالتالي انخراطٌ أكبر في التكنولوجيا. لكن في غضون ذلك، يخطط الفريق البحثي نفسه لإجراء مزيد من الدراسات لتأكيد صحة النتائج الأولية التي جمعوها.

وسيعملون على ذك من خلال إشراك عددٍ كبير من المشاركين للتحقق من صحة نتائجهم الأولية. وعلاوةً على ذلك، يريد الباحثون مقارنة نتائج الجلسات التفاعلية مع تلك التي لا يتحدث فيها الروبوت مع نفسه. وكذلك تحليل العديد من الميزات الأخرى، مثل تحريض مشاعر الروبوت عن طريق الكلام الداخلي. وتجدر الإشارة إلى أن الكلام الداخلي دورًا أساسيًا بالنسبة للإنسان في التنظيم الذاتي والتعلم والتركيز، لذلك سيتمّ البحث في هذه الجوانب أيضًا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات