استمع إلى المقال

في سباق الذكاء الاصطناعي ضمن صناعة التكنولوجيا، اتخذت “مايكروسوفت” مسارا غير عادي يتمثل في ضخ المليارات في شركة ناشئة صغيرة غير معروفة، بدلا من الاعتماد على التكنولوجيا المحلية والفرق الداخلية.

الوافد الجديد نسبيا إلى الشركة، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا كيفن سكوت، يقف وراء هذا الرهان، حيث انضم سكوت إلى شركة التكنولوجيا العملاقة قبل 7 سنوات كجزء من عملية استحواذ وخالف ثقافة “مايكروسوفت” من خلال الترويج لشراكة بقيمة 10 مليارات دولار مع “OpenAI”.

رهان “مايكروسوفت” الكبير

مايكروسوفت على وشك المراهنة بأكبر علاماتها التجارية على تقنية “OpenAI”، حيث تدمج الشركة التكنولوجيا في منتجات “PowerPoint” و”Word” و”Excel” وبقية برامجها الأكثر مبيعا في الأشهر المقبلة.

هذا يمثل الاختبار الأول لمعرفة ما إذا كان العملاء يريدون الدفع مقابل ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي يمكنها إنشاء المستندات وتلخيص رسائل البريد الإلكتروني.

“مايكروسوفت” جعلت هذه التكنولوجيا هي العمود الفقري للترقيات في محرك بحث “Bing” وتضيفها إلى نظام التشغيل “ويندوز” أيضا.

الاستراتيجية المتمثلة في الرهان على “OpenAI” كانت الطريقة الوحيدة لدفع “مايكروسوفت” إلى الأمام، لكنها أثار غضب بعض الموظفين، وخاصة في قسم الأبحاث، الذين وجدوا أن مشاريعهم للذكاء الاصطناعي قد تم تهميشها وتقليص مواردها، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى ترك الشركة بسبب الإحباط.

الوافد الجديد 

داخل “مايكروسوفت”، هناك اتفاق مع الرئيس التنفيذي، ساتيا ناديلا، يجعل سكوت واحدا من كبار القادة القلائل المسموح لهم بالعمل من منطقة خليج سان فرانسيسكو، بدلا من المقر الرئيسي للشركة في ريدموند.

الوافد الجديد نسبيا قضى وقتا أقل في “مايكروسوفت” مقارنة بالعديد من زملائه في الإدارة التنفيذية، حيث انضم ناديلا في عام 1992، وبدأ براد سميث، نائب الرئيس والمدير، العمل في الشركة خلال عام 1993، في حين بدأ الرئيس التنفيذي للتسويق العمل في عام 1991، بينما بدأ المدير المالي العمل في عام 2002.

سكوت أصبح وجها لاستراتيجية “مايكروسوفت” للذكاء الاصطناعي، حيث قام بتأليف كتاب عن الذكاء الاصطناعي ويستضيف بودكاست شهريا يجري من خلاله مقابلات مع قادة التكنولوجيا والمديرين التنفيذيين لشركة “مايكروسوفت” والمشاهير.

أثناء التحضير للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب في جامعة فيرجينيا، ترك سكوت الدراسة للانضمام إلى “جوجل” في عام 2003.

في عام 2011، انتقل للمساعدة في إدارة الهندسة في “لينكدإن”، حيث اكتسب سمعة لقدرته على فك تعقيدات الأنظمة المعقدة. 

بعد سنوات قليلة من توليه هذا المنصب، قاد الجهود لإعادة بناء الهيكليات الموجودة خلف موقع الشركة الإلكتروني من الألف إلى الياء للتعامل مع مئات الملايين من المستخدمين.

إعادة إحياء “مايكروسوفت”

في عام 2016، انضم سكوت إلى “مايكروسوفت” بعد استحواذها على “لينكدإن”، وكان ناديلا قد تولى منصب الرئيس التنفيذي قبل عامين وكان يعيد تصور الشركة.

خلال تلك الفترة، كافحت “مايكروسوفت” مع مجموعة كبيرة من المشاريع الجانبية وتأخرت في فرص، مثل ثورة الهاتف المحمول. 

نتيجة لذلك، أراد ناديلا التخلص من الثقافة الانعزالية للشركة التي فضلت الأفكار الداخلية وتهميش القادة الذين جاءوا من خلال الشركات التي استحوذت عليها “مايكروسوفت”. 

ناديلا أراد تحقيق المزيد من النمو السريع ونهج المخاطرة والابتعاد عما اعتبره ثقافة مؤسسية محافظة يهيمن عليها الاعضاء القديمين في الشركة.

في عام 2017، وبعد أقل من شهرين من إغلاق استحواذ مايكروسوفت على “لينكدإن”، اختار ناديلا سكوت ليصبح المدير التنفيذي للتكنولوجيا على مستوى الشركة، وهو منصب تم إنشاؤه خصيصا له.

هذا المنصب منحه الإشراف على قسم الأبحاث في “مايكروسوفت” وأنشأ أيضًا مكتب المدير التنفيذي للتكنولوجيا، الذي يعمل أعضاؤها مع مجموعات عبر الشركة للمساعدة في توجيه استراتيجيتهم التقنية.

الرهان غير المتوقع

سرعان ما وجه سكوت اهتمامه إلى التقدم الذي أحرزته الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي. بينما كانت “مايكروسوفت” تعمل لسنوات على بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وجد سكوت أنها كانت وراء “جوجل” و”فيسبوك” وغيرهما.

في نفس الوقت تقريبا، كانت شركة “OpenAI” تبحث عن مستثمر يتمتع بموارد مالية كبيرة ورغبة في بناء بنية تحتية للحوسبة لتدريب الذكاء الاصطناعي الخاص بها. 

كما أنها أرادت داعما يفهم مهمتها المتمثلة في بناء التكنولوجيا التي يمكنها التعلم والتحدث وحل المشكلات مثل الإنسان، وهو مستوى جديد من الحوسبة يسمى الذكاء العام الاصطناعي، أو “AGI”.

في عام 2018، تواصل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، مع ناديلا للاستثمار في “OpenAI” وسرعان ما قررت الشركتان العمل معا، حيث قام كيفن سكوت وإيمي هود بإعداد تفاصيل الصفقة.

هذه الصفقة منحت “مايكروسوفت” إمكانية الوصول المبكر إلى منتجات “OpenAI” وضمان أن عملاقة التكنولوجيا تدعم الشركة الناشئة ببنيتها التحتية. 

كما تعهدت “مايكروسوفت” بالسماح لشركة “OpenAI” بمواصلة تحقيق هدفها المتمثل في تطوير تقنية الذكاء العام الاصطناعي.

ألتمان، الذي كان يعرف سكوت منذ أيامه في “جوجل”، أوضح أنه لم يكن ليقوم بالصفقة دونه، وشعر سكوت أن بإمكانه تحقيق التوازن بين طموحات “OpenAI” وحاجة “مايكروسوفت” لاستخدام التكنولوجيا في منتجات مربحة.

في مقابلة، قال ألتمان، “كان سكوت ضمن مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين أخذوا الذكاء العام الاصطناعي على محمل الجد”.

الاستثمارات الضخمة

خلال هذه المرحلة، كان على سكوت التغلب على الشكوك داخل “مايكروسوفت”، بما في ذلك من قبل الرئيس التنفيذي آنذاك، بيل جيتس، الذي شعر أن الشركة لديها ما تحتاجه للمنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، وساعده في ذلك ناديلا.

في عام 2019، حصلت “OpenAI” على مليار دولار في المرة الأولى، مع جولة ثانية من التمويل بقيمة 10 مليارات دولار في شهر كانون الثاني/يناير.

هذه الاستثمارات جاءت مع عواقب، حيث اضطرت مايكروسوفت إلى تقنين مواردها لأن “OpenAI” كانت بحاجة إلى المزيد من القوة الحاسوبية لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الضخم الخاص بها.

نتيجة لذلك، قسم سكوت الوصول إلى وقت الخادم عبر الأجهزة المجهزة بالرقائق المتطورة اللازمة للذكاء الاصطناعي من خلال ما أطلق عليه اسم مجالس القدرة.

في كل أسبوع، كان على قادة المشاريع التنافس من أجل الوصول إلى مجموعات الحوسبة، وهي عملية تهدف إلى تقليص مجموعة مترامية الأطراف من المشاريع غير المهمة والمبادرات البحثية الطويلة المدى للغاية.

الاجتماعات الافتراضية تضم عادة نحو 20 موظفا وممثلين عن فرق مختلفة يعرضون المشروع أمام المديرين التنفيذيين، لكن هذا الأمر تسبب بنمو الحقد بين الموظفين الذين وصلوا إلى حد الاقتتال من أجل الحصول على الموارد المطلوبة للمشاريع.

في الصيف الماضي، عرضت “OpenAI” لأول مرة أحدث طراز لها من الذكاء الاصطناعي، “GPT-4″، في حفل عشاء استضافه غيتس وضم سكوت وناديلا.

بعد رؤيته أن “OpenAI” قد حققت قفزة كبيرة، قرر سكوت المراهنة بالمزيد من أموال “مايكروسوفت” وبنيتها التحتية على “OpenAI”، حيث يتم تخصيص جميع أجهزة الحواسيب الأقوى من “مايكروسوفت” والتي تحتوي على أحدث شرائحها لتشغيل تقنية “OpenAI”.

في الوقت نفسه، كان على كل فريق آخر في الشركة الاكتفاء بما تبقى، وبينما لم يكن بعض الأشخاص سعداء بقراراته، أوضح سكوت أن “مايكروسوفت” بحاجة إلى التركيز على المشاريع التي يمكن أن تدر المال، وقال، “نحن نجري أبحاثا، لكن هذا ليس مسعى بحثيا، فنحن نحاول بناء أشياء مفيدة ليستخدمها الآخرون”.

بشكل عام، التحالف بين “مايكروسوفت” و”OpenAI” قوي لدرجة أن “OpenAI” وفرت تقنيتها لبعض أكبر منافسي “مايكروسوفت”، في حين قيدت “مايكروسوفت” بشكل فعال  عملاء محركات البحث المحتملين لشركة “OpenAI”.

ختاما، فإن الشركة بين “مايكروسوفت” و”OpenAI” تعد واحدة من أهم الروابط في مجال التكنولوجيا في الوقت الحالي، وتعلن بداية عصر جديد من الحوسبة، حيث استثمرت عملاقة البرمجيات المليارات للوصول المبكر إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركة الأصغر حجما، التي تعتبر رائدة في هذا المجال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات