استمع إلى المقال

الاهتمام بالسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة لم يعد مجرد مسعى من أجل التّقدم وتقديم منتجات أفضل، بل أصبح ضرورة من أجل الحفاظ على سلامة الكوكب وموارده بالشكل الذي عهدناه عليه، لهذا بدأت جميع الدول في مسعى حثيث لتقويض صناعة سيارات الاحتراق الداخلي والتوجه إلى سيارات الطاقة النظيفة سواء كانت هيدروجينية أو كهربائية. 

الاتحاد الأوروبي أجبر جميع مصنّعي السيارات الرياضية والفارهة على إيقاف تصنيع سيارات الاحتراق الداخلي المعتادة بداية من 2030، لذلك أصبح من المعتاد أن نرى سيارة “بورشه” كهربائية أو “فيراري” هجينة، ورغم ذلك، تخلفت بعض الدول عن هذا المسعى ولم تقف أمام الطاقة النظيفة بالشكل الذي يمكنها من التحول إليها. 

الصين هي واحدة من تلك الدول، ورغم أنها تروّج لصناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة بها، إلا أنها ما زالت تستهلك أكثر من نصف فحم العالم، ولكن لماذا ذلك، وهل تنوي الصين حقا التحول إلى الطاقة النظيفة. 

أكبر إنتاج من الطاقة الشمسية 

الطبيعة الجغرافية المميزة التي تتمتع بها الصين جعلتها قادرة على الاستفادة من الطاقة النظيفة بشكل غير مسبوق، وذلك في جميع قطاعات الطاقة النظيفة بداية من الطاقة الشمسية وحتى توليد الكهرباء عبر طواحين الهواء والشلالات، إذ وصل إنتاج الصين من الطاقة النظيفة الآن إلى 228 جيجاوات باستخدام الطاقة الشمسية فقط مع 310 جيجاوات أخرى من طاقة الرياح، وهذه ليست إلا البداية فقط، إذ تهدف الصين للوصول إلى إنتاج 1200 جيجاوات من الطاقة النظيفة بحلول عام 2030. 

مزرعة طاقة شمسية مهولة الحجم في الصين

الإنتاج المهول الذي تمتع به الصين من الطاقة النظيفة يكفي لدعم عدة دول معا، خاصة وأن هذا الإنتاج متجدد ولا ينضب مثل مصادر الطاقة الأحفورية، وهو كافٍ أيضا للتحول بشكل كامل إلى الطاقة النظيفة، هذا إن كانت حكومة “الحزب الشيوعي” الحاكم، تنظر إلى الطاقة النظيفة من جانب بيئي ومن أجل حماية الكوكب والحفاظ عليه. 

حكومة “الحزب الشيوعي” ومن خلفها الشركات المدعومة منها تنظر إلى الطاقة النظيفة على أنها فرصة تجارية بحتة دون أي مزايا بيئية، وهذا يعني أنها لن تنتقل إلى استخدام هذه الطاقة والتخلي عن الوقود الأحفوري دون وجود فائدة اقتصادية كبرى من ورائها، لذلك تظل الصين بمفردها مسؤولة عن استخدام أكثر من نصف فحم العال وبالتالي مصدر التلوث الأكبر للعالم. 

“الحزب الشيوعي” الحاكم، لا ينوي التراجع عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة في معظم محطات الكهرباء في الدولة، بل وتخطط للتوسع في هذا الاستخدام بشكل كبير لما بعد عام 2030، وهو العام ذاته الذي تتحول فيه أغلب الدول إلى الطاقة الكهربائية وتسعى الصين فيه إنتاج 1200 جيجاوات من الطاقة النظيفة. 

تفاقم الأزمة 

في الوقت الذي أصبح الوعي البيئي التوجه السائد في جميع الحوارات والقمم الدولية حتى في دول العالم الثالث، تتخلف الصين عن هذا التوجه رغم قدرتها على حلّ جزء كبير من أزمة التلوث البيئية والانبعاثات الكربونية، وهذا ينبع من نظرة حكومة “الحزب الشيوعي” الحاكم وشركاتها إلى الطاقة النظيفة، وأنها مجرد مصدر دخل إضافي يموّل أنشطة الحكومة الأخرى، وهذا عكس ما يحدث مع جميع الدول الأخرى. 

الصين تمتلك مخزونا واسعا من السيارات الكهربائية إلى جانب الشركات العاملة في صناعة السيارات الكهربائية وتقنياتها لدرجة أن إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا” فكر في التعاون مع الصين من أجل إنتاج بطاريات سيارات الشركة، ومع وفرة المعروض من السيارات الكهربائية وسهولة الوصول إليها، كان من المتوقع أن نرى إنتشارا أكبر لها في الشارع أو حتى دعما حكوميا لاقتنائها، ولكن في الصين حدث عكس هذا تماما، إذ مازالت تعتمد على تصدير هذه السيارات إلى الدول الأخرى. 

تقترب سيارة كهربائية من نهاية خط التجميع في مصنع شركة Xpeng في زهاوشينغ بالصين في 13 إبريل 2021. وبفضل التمويل الذي تحصلوا عليه من وول ستريت والمسؤولين المحليين، تخطط شركات السيارات الصينية لبناء 8 ملايين سيارة كهربائية في العام هناك، أكثر من أوروبا وأمريكا الشمالية مجتمعتين. (كيث برادشر / صحيفة نيويورك تايمز)

في الوقت الذي تسابق الشركات الأوروبية الزمن من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة وتغطية الطلب على سياراتها بالاعتماد على السيارات الكهربائية بدلا من سيارات الاحتراق الداخلي قبل 2030، تجلس الصين دون حراك أو محاولة اتخاذ خطوات جادة لحل هذه المشكلة لديها. 

الأزمة التي تجعل الانتقال إلى السيارات الكهربائية في الدول الغربية والعربية هي غياب التوافر اللازم للسيارات الكهربائية، وضعف سلسلة التوريدات التابعة لها مقارنة بسيارات الاحتراق الداخلي، لهذا أعطت الحكومات مهلة حتى 2030 لتتمكن الشركات من حلّ هذه الأزمة، وهي أزمة غير موجودة في الصين تماما. 

الكذب في مخططات المستقبل 

حكومة شي جين بينغ، وعدت سابقا أن تخفض الدولة من انبعاثاتها الكربونية وتتحول إلى الطاقة النظيفة بحلول 2030، ولكن إذا استمر الحال على ماهو عليه، فإن الصين ستصل إلى أقصى سعة انبعاثات كربونية بحلول 2030 بدلا من تخفيضها، ولن نرى منها تخفيضا حقيقا في الانبعاثات الكربونية قبل 2060 بحسب تحليل صحيفة “نيويورك تايمز”.

انبعاثات الصين الكربونية وصلت عام 2021 إلى مستوى غير مسبوق يُقدر بـ 8 طن مقارنة مع 6.13 طن لدول الاتحاد الأوروبي جميعا للعام ذاته وفق بيانات منظمة “Our World in data” العالمية،وإذا استمرت الصين في هذا الاستخدام، فإنها تصل إلى 15 طن من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030 مقارنة مع 2 طن من الانبعاثات للاتحاد الأوروبي في الوقت ذاته، وذلك إن استمرت الزيادة والانخفاض بالمعدل نفسه دون أي تغيير في السياسات.   

“ذا غارديان” قدمت مقالا تحدثت في هذه الأزمة، ووفق هذا المقال، فإن حكومة “الحزب الشيوعي” الحاكم، استقبلت زيارات عديدة من الناشطين البيئيين وسفراء البيئة في محاولة منهم لإقناع الحكومة بالاعتماد على الطاقة النظيفة، ولكن دون طائل. 

 الاستمرار في إهمال الاستهلاك الصيني للطاقة الأحفورية قد يُسّرع من سيناريو الأزمة البيئية التي تنتظر العالم، لذلك يجب أن تبدأ التحركات الدولية في محاولة لإيقاف هذا الوضع، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا تصرّ الصين على تلويّث الكوكب إذا ماكانت تمتلك الإمكانات اللازمة للتحول إلى الطاقة النظيفة بشكل يكفيها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات