الوجه الخفي للذكاء الاصطناعي.. وجهة جديدة لعمالة السخرة؟

الوجه الخفي للذكاء الاصطناعي.. وجهة جديدة لعمالة السخرة؟
استمع إلى المقال

ظهور الذكاء الاصطناعي وقدراته المدهشة أبهر العالم وأخذه على حين غرة، خاصة لمن كان غير ملما بالتطور التقني الحادث في العالم، إذ فوجئ عامة المستخدمين بأنهم أمام روبوت قادر على الإجابة على أي سؤال والتعرف على أي نص وصورة في ثوان معدودة. 

الضجة التي أحدثتها تقنيات الذكاء اهتمت بمدى قدرات هذه التقنية والابداع الذي تقدمه، ولكنه بشكل غير مقصود أهملت العمل الذي يتم حتى تخرج هذه التقنيات إلى النور ويتم التأكد من جودتها ودقتها، وهذا العمل ليس جزءا من مهام المكتب الرئيسي للشركة المطورة للذكاء الاصطناعي ولا تعرف الشركة عنه شيئا. 

مهام عديدة لتدريب الذكاء الاصطناعي والأدوات الخاصة به تلقى على عاتق منصات العمل الجماعي “CrowdSourcing” مثل “Appen” وغيرها من المنصات التي تجذب ملايين العاملين في اقتصاد المهمة الواحدة من الدول النامية الذين يبحثون عن تحقيق دخل بالدولار من منازلهم، ورغم أن مثل هذه الوظائف قد تبدو وظيفة الأحلام، إلا أن الواقع أقسى من ذلك كثيرا، ولكن لماذا. 

تحديات عديدة 

منصة “Appen” هي إحدى المنصات الرقمية الشهيرة في عالم المهام الصغيرة، وهي المهام التي تحتاجها الشركات بكثرة ولكن لا ترغب في تعيين موظفين دائمين لها، ورغم أن المنصة تضم بعض الوظائف ذات الدخل المرتفع، إلا أنها في الغالب تعتمد على الوظائف ذات الدخل المنخفض، وتحديدا وظائف تحديد البيانات وتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي. 

متوسط قيمة هذه المهام أو الوظائف يتراوح بين 2 سنت و50 سنت، وبحسب ما تقوله أوسكارينا فوينتيس في حديثها مع صحيفة “Wired”، فهي تحتاج من 6 إلى 8 ساعات يوميا حتى تتمكن من تحقيق دخل 280 دولار شهريا، ورغم هذا، فإن “Appen” هو خط الحياة الوحيد لها في فنزويلا التي تعاني من أزمات اقتصادية عديدة. 

حالة فوينتيس ليست فريدة من نوعها، إذ يمتلئ “Appen” بالملايين من العاملين الذين يرضون الحصول على هذه الرواتب الضعيفة من عدة دول مختلفة حول العالم، ولكن تتركز عمالتهم على دول شرق آسيا مثل الهند وفنزويلا والفلبين أو دول أنهكتها الحروب مثل لبنان وكينا ونيروبي.

هذا التنوع في جمهور المنصة والعاملين بها أدى إلى وجود الكثير من العاملين في المنصة بشكل يتخطى أعداد المهام المعروضة بها، وبالتالي يصبح من الصعب أن تجد المهام والوظائف بشكل سريع في المنصة، وبحسب تصريحات أحد العاملين في “Appen”، فإنه يحتاج إلى الجلوس أمام حاسوبه طوال اليوم من أجل العثور على أي وظيفة تظهر أمامه وإتمامها في وقت سريع حتى ينتقل للوظيفة التي تليها، وهذا يجعل كل 6 ساعات يمضيها من العمل توازي ساعة عمل حقيقية واحدة، وهذا هو الأمر الذي يتسبب في أكبر تحديات وأزمة تواجه العاملين في اقتصاد “Appen”.

عبودية رقمية 

 فلوريان شميدت تحدث عن هذا الاقتصاد والنوع من الوظائف في كتابه الشهير أسواق العمل الرقمية، وقال بأن هذا النوع من الصناعات ليس مرتبطا بأي مكان في العالم، بل يبحث دائما عن أقل الأجور دون النظر لظروف المعيشة وإن كانت هذه الرواتب كافية للموظفين أم لا.

سيف سافاج رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي المدني في جامعة نورث إيسترن يتفق مع شميدت بشكل واضح ويؤكد أن هذه المهام تخلق نوعا جديدا من الوظائف، ولكن من غير المعروف كيف تساهم هذه الوظائف في تحسين حياة العاملين بها، إذ أن العاملين بالمهمة يحتاجون لإتقان العديد من المهارات حتى يتمكنوا من مجاراة الطلب المتزايد على المهام والتطور الذي يحدث فيها، وبالتالي، فإن مهام تدريب الذكاء الاصطناعي تمتع بعمر افتراضي قليل للغاية.

سيف سافاج رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي المدني في جامعة نورث إيسترن

هناك جانب آخر تحدث عنه مقال “Wired” الذي اهتم بتغطية القضية، وهو أن العاملين بالمهمة ليسوا جزءا من قوة العمل الرئيسية للشركات الأم، وبالتالي فهم قوة عمل خفية لا تراها أعين الإعلام ولا يحق لهم المطالبة بالحقوق والمزايا ذاتها التي يحصل عليها زملائهم في الشركات الرئيسية، ورغم أن بعض العاملين قد عملوا كثيرا مع “فيسبوك” كمثال، إلا أن الشركة لن تعترف بأنهم جزء من قوة العمل الرئيسية لها وبالتالي لن تلتزم بالحد الأدنى للأجور الذي تجبر عليه في مقار العمل الرئيسية. 

شميدت، قرر وصف هذا النوع من المهام بأنه “عبودية رقمية” لأنه لا يعبأ أبدا بما يحدث مع العاملين في حياتهم أو كيف تساعدهم الوظائف، ولكن كل ما يبحث عنه إتمام المهام بأقل تكلفة ممكنة، وهو لا يختلف كثيرا عن عمالة السخرة التي تعتمد عليها مصانع “أبل” وشركات الملابس الكبيرة.

وعود بحلول مستقبلية 

منصة “Appen” استجابت للتغطية التي قدمها موقع “Wired”، ومن خلال الموقع وعدت بأنها تعمل على تحسين ظروف العمل لديها وطرق إيجاد الوظائف، وذلك عبر خفض وقت الانتظار من أجل الحصول على الوظيفة. 

هذه التحسينات مستقبلية، ومازالت الشركة تحاول إيجاد التوازن المناسب بين عدد المهام المعروضة وعدد العاملين في المنصة، وما يسعنا إلا أن ننتظر حتى نرى ما سوف يحدث مستقبلا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات