دراسة تفسّر شعور الندم الناجم عن استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي

دراسة تفسّر شعور الندم الناجم عن استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي
استمع إلى المقال

بدأ الأمر عندما اعترت يونسونغ تشو؛ طالبة الدكتوراه في معهد التفاعل بين الإنسان والحاسوب بجامعة كارنيجي ميلون الأمريكية، الرغبة في قضاء وقتٍ أقل على وسائل التواصل الاجتماعي. إذ لاحظت أنها كانت تفتح التطبيقات في البداية لأغراض مثل مراسلة صديق أو التمرير عبر منشورات الحسابات التي تتابعها، لكن ينتهي بها الأمر في الانغماس لساعاتٍ في محتوى هذه المنصات.

علامَ يندم المستخدمون؟

مصدر الصورة: بيكساباي.

تشو لم يعجبها ذلك، فبينما كان الأمر ممتعًا أثناء القيام به، تركها التمرير اللامتناهي بين مقاطع الفيديو والصور والمنشورات المُقترحة تندم على الوقت الذي قضته على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الشعور حفز تشو مع زملائها من المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا وجامعة ماريلاند الأمريكية للبحث في كيفية قضاء المستخدمين لوقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وما هو شعورهم حيال ذلك.

وحصل بحثهم، الذي حمل عنوان “التفكير، وليس الندم: فهم الاستخدام المثير للندم للهواتف الذكية من خلال تحليل مستوى ميزات التطبيقات“، على جائزة أفضل ورقة بحثية وتقدير خاص للأساليب المتّبعة فيه في مؤتمر ACM الرابع والعشرين حول العمل التعاوني المدعوم بالحاسوب والحوسبة الاجتماعية الشهر الماضي. إذ يفحص البحث الميزات التي تثير مشاعر الندم بين المستخدمين على فيسبوك وإنستاغرام ويوتيوب وتطبيق KakaoTalk؛ وهو تطبيق مراسلة شائع في كوريا الجنوبية.

كتبت تشو: “بدأ الأمر بالرغبة في اكتشاف هذه الميزات وحظرها، لكنه تطور إلى التحقيق في كيفية استخدام الأشخاص لتطبيقات التواصل الاجتماعية، وما الذي يجعلهم يشعرون بالندم وكيف يمكن تصميم التطبيقات لتقليل هذا الشعور”.

للبدء، صممت تشو تطبيقًا يمكنه تتبّع الميزات المحددة التي يستخدمها الأشخاص داخل تطبيق التواصل الاجتماعي. إذ يمكن للتطبيق، المسمى Finesse، تسجيل عدد الدقائق التي يقضيها المستخدم في قراءة وإرسال الرسائل المباشرة، أو البحث بين منشورات الحسابات المُتابعة، أو التمرير عبر المحتوى المُقترح، أو استخدام ميزات أخرى. وتطبيق Finesse هو التطبيق الأول من نوعه الذي يتتبع الوقت على مستوى الميزات بشكلٍ منفصل داخل التطبيق. إذ تتتبّع أدوات الصحة الرقمية الأخرى مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدم في التطبيق بشكلٍ عام، ولكن ليس على الميزات المحددة في كل تطبيق.

وقام تسعة وعشرون من مستخدمي أندرويد الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و 27 عامًا بتثبيت Finesse والسماح للتطبيق بجمع البيانات حول استخدام هواتفهم لمدة أسبوع. وبعد جلساتٍ معينة على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، يطلب Finesse من المستخدمين تحديد الميزات التي ندموا على استخدامها. في نهاية الأسبوع، أجرى الباحثون مقابلات مع المستخدمين لاكتساب المزيد من السياق والمعلومات التفصيلية حول البيانات.

وأظهرت البيانات أن المستخدمين أعربوا عن أسفهم على الأقل على جزءٍ واحد من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في 60% من الجلسات، بينما أعربوا عن أسفهم على استخدامها بشكلٍ عام في ما يقرب من 40% من الجلسات. وغالبًا ما كان الأسف على الميزات التي تدور حول مشاركات الآخرين أو المحتوى المُقترح من قبل خوارزمية التطبيق.

على سبيل المثال، على إنستاغرام، كان المستخدمون أكثر ندمًا على مشاهدة المنشورات أكثر من أي ميزة أخرى على التطبيق. وبالطبع، كلما طالت مدة استخدام الشخص لتطبيق التواصل الاجتماعي، زاد الوقت الذي يقضيه هذا الشخص في مشاهدة المنشورات المقترحة، وبالتالي ارتفع شعور الندم.

كتبت تشو: “هذا الدليل الواضح تمامًا أظهر للمستخدمين حقًا كيف يستخدمون تطبيقات التواصل الاجتماعي وكيف تجعلهم يشعرون. لم يقتصر الأمر على زيادة الوعي الذاتي لسلوكهم فحسب، بل قدم أيضًا معلومات جيدة لبناء خطة قابلة للتنفيذ.”

عدم اتّساق المكافئات

مصدر الصورة: بيكساباي.

تمكن الباحثون من تحديد الأنماط التي تؤدي إلى السلوك المؤسف، وكان أحدها هو الزيارات المتكررة لهذه التطبيقات. فغالبًا ما ينفد المحتوى الجديد للمستخدم الذي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ مفرط، وقد يصاب حينها بخيبة الأمل.

وقبل أن يتمكن الفريق من اقتراح التدخلات، كان عليهم فهم سبب ندم الناس على استخدام ميزات معينة لتطبيقات التواصل الاجتماعي. وهنا اقتبسوا من “نظرية الندم”؛ التي تقترح أن الناس يشعرون بالندم عندما تكون المكافأة من ما يفعلونه -المعروفة باسم المكافأة الفعلية- أقل من مكافأة الأنشطة الأخرى، والمعروفة باسم المكافأة البديلة.

ففي هذه التجربة، شعر الناس بالندم عندما لم تتطابق المكافأة الناتجة عن تصفح المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مع المكافأة البديلة المتمثلة في التركيز بشكل أكبر على مهمةٍ عمليةٍ ما أو محاضرة أو قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء أو الحصول على مزيد من النوم.

وسعت الأدوات التي اقترحها الباحثون إلى تصحيح الأسباب الشائعة التي جعلت المستخدمين يشعرون بالندم بعد استخدام تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي. إذ أظهر أحدها مدى تغير محتوى المنصة بين الاستخدامات المتكررة، وبالتالي إعلام المستخدم بأن الأمر لا يستحق قضاء المزيد من الوقت مجددًا. بينما عملت أداة أخرى على تنبيه المستخدمين إلى مقدار الوقت الذي يمكن أن يقضوه في تطبيقٍ ما قبل البدء في استخدامه وعرض الأنشطة الأخرى الممكنة بدلاً من ذلك، مثل الواجبات المنزلية أو ممارسة التمارين أو قضاء الوقت في الطبيعة. بينما سألت أداة ثالثة المستخدمين عما كانوا يفعلونه قبل أن يبدأوا في استخدام التطبيق وما يخططون للقيام به بعد استخدام التطبيق، مما يخلق طبقة وعيٍ إضافية لدى المستخدم.

الحل يأتي بالجهد الجمعي

إن الشعور بالندم أو الأسف ليس خطأ المستخدم فقط. إذ تم تصميم التطبيقات لامتصاص انتباه الأشخاص وإبقائهم في حالة تنقل داخل التطبيق. وفي كثيرٍ من الأحيان، يتعين على الأشخاص تجاوز الميزات المسببة للإدمان للوصول إلى المحتوى الذي سعوا إليه في البداية.

وغالبًا ما يلوم الناس أنفسهم لعدم امتلاكهم تحكمًا كافيًا، لكن مصممي التطبيق يتشاركون أيضًا في بعض المسؤولية. ومن الناحية المثالية، نأمل أن تصبح شركات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر وعيًا بما تدفع مستخدميها إليه، وأن تصبح أكثر وعياً بكيفية تصرف مستخدميها، وبالتالي، أن تكون أكثر وعياً بكيفية تصميم أنظمتها. لكن هذا على الأرجح لن يحصل.

أما بالنسبة لسلوكها الخاص، فـ تشو ليست متأكدة من أن البحث قد قلّل من مقدار الوقت الذي تقضيه على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ما فعله البحث هو جعلها تفكر أكثر في سبب قضائها لوقتها على التطبيقات.

في النهاية، لا أعتقد أن تقليل الوقت المستغرق في استخدام التطبيقات هو الحل بالضرورة. إنه يتعلق بتصميم نظام يساعد المستخدمين على التفكير في أنفسهم وسلوكهم. ما هو الجيد في سلوكك على التطبيق؟ ما هو السيئ فيه؟ كيف تريد تحسينه؟ لعلّ تحليلاتٍ مثل هذا البحث قادرةً على منح المستخدمين إجابات على هذه الأسئلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.