استمع إلى المقال

لطالما كانت عبارة “إذا كنت لا تدفع مقابل المنتج، فأنت هو المنتج” من العبارات الشائعة التي يرددها مَن ينتقد أو يفنّد آلية سير أعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتحقيقها الأرباح، ويعني هذا القول أنك – كمستخدم – لا تدفع مقابل تطبيقات مثل “إنستجرام” لأنك تتخلى عن شيء آخر، وهو انتباهك – وأحيانا المحتوى الخاص بك – والذي يتم بيعه للمعلنين.

لكن الآن، يبدو أن هذا النموذج المجاني لوسائل التواصل الاجتماعي – القائم على الإعلانات – يلفظ أنفاسه الأخيرة، إذ لم تعد تستطع شركات وسائل التواصل الاجتماعي جني الكثير من المال من مستخدميها “المجّانيّين” كما اعتادت، فضعف سوق الإعلانات، وقيود الخصوصية التي تفرضها “أبل”، والتي تجعل من الصعب تتبع المستخدمين وتفضيلاتهم، والتهديد الدائم من قبل المنظمينَ حول العالم، كل هذا جعل من الصعب على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بيع الإعلانات.

هذا هو السبب في أننا نرى بدايات ما قد يكون حقبة جديدة من وسائل التواصل الاجتماعي: الدفع مقابل الاستخدام.

يوم الأحد الماضي، أصبحت “ميتا” أحدث وأكبر شركة وسائط اجتماعية كبرى تعلن عن نسخة مدفوعة من منتجاتها مع برنامج “Meta Verified”، حيث سيطلب كل من “فيسبوك” و”إنستجرام” مبلغ 12 دولارا شهريا للحصول على علامة التحقق الزرقاء، والمزيد من الحماية ضد انتحال هوية الحساب، والوصول إلى “شخص حقيقي” في دعم العملاء للمساعدة في حل مشكلات الحساب الشائعة، والأهم من ذلك، “زيادة الوصول والظهور؛ هذا يعني أن المستخدمين الذين يدفعون سيظهرون المحتوى الخاص بهم بشكل أكبر في البحث والتعليقات والتوصيات. تختبر الشركة الميزة في أستراليا ونيوزيلندا في الوقت الحالي، وقالت إنه سيتم طرحها في الولايات المتحدة ودول أخرى قريبا.

الأفضلية لمن يدفع

أخبار “ميتا” تأتي بعد أشهر قليلة فقط من إطلاق “تويتر” لباقة تحقق مدفوعة الأجر قيمتها 8 دولارات شهريا كجزء من منتج “تويتر بلو”، وبينما تشتهر “ميتا” باستنساخ منافسيها، فإن عرض الاشتراك الخاص بها ليس مجرد حالة أخرى من التقليد، بل هو جزء من اتجاه أكبر تسير نحوه الصناعة.

في السنوات الأخيرة، قدمت “سناب تشات” و”يوتيوب” و”ديسكورد” منتجات خاصة أو وسعت نطاق خدماتها بما يفرض رسوما على المستخدمين مقابل امتيازات خاصة. إذ يتيح “سناب تشات” للمشتركين الوصول المبكّر إلى الميزات الجديدة، ويقدم “يوتيوب” بنسخته المدفوعة إعلانات أقل لهم، ويوفر “ديسكورد” المزيد من خيارات التخصيص لقنوات الدردشة للأشخاص.

الآن، تتحقق “ميتا”،التي تمتلك أكبر تطبيقات الوسائط الاجتماعية في العالم، من نجاعة فرز المستخدمين على منصاتها إلى مستويين، مجّانيين ومدفوعين. في هذا النظام، سيتلقى المستخدمون المدفوعون فقط الخدمات التي يجب أن تُقدّم مجانا – أو هذا ما اعتاد مستخدمو تلك المنصات عليه – مثل الحماية الاستباقية من المحتالين الذين يحاولون انتحال شخصياتهم، وخط اتصال مباشر بدعم العملاء عندما يواجهوا صعوبات فنية.

“ميتا” تقول إنها لا تزال تقدم مستوى معينا من الدعم الأساسي للمستخدمين المَجّانيين، ولكن في نهاية المطاف، تحتاج إلى فرض رسوم لتغطية التكلفة.

لكن الجزء الأكثر أهمية من خطة “ميتا” الجديدة لا يتعلق بأن المستخدمين الذين يدفعون المال يحصلون على شارة التحقق الزرقاء أو يتلقون دعما أفضل للعملاء، ولكن حول كيفية حصولهم أيضا على مزيد من الظهور على “فيسبوك” و”إنستجرام”.

في الماضي، كان لدى جميع المستخدمين نفس الفرصة ليُشاهَدوا على وسائل التواصل الاجتماعي، من الناحية النظرية على الأقل. أما الآن، إذا كنت تدفع 12 دولارا شهريا على “Meta Verified”، فلديك احتمالات أعلى لأن يعثر المستخدمون الآخرون على حسابك ومنشوراتك، وهذا نظام قد يجده منشئو المحتوى الذين يديرون أعمالا برمتها على “إنستجرام” و”فيسبوك” جذابا، ولكنه قد يعرض جودة تجربة المستخدمين للخطر إذا لم يتم تنفيذه بعناية.

مع هذا البرنامج الجديد، تعمل “ميتا” على طمس الخط الفاصل بين الإعلانات والمحتوى الأصيل غير المموّل أكثر من أي وقت مضى، ومع شكوى العديد من المستخدمين بالفعل من أن “إنستجرام” أصبح يبدو وكأنه مركز تسوق افتراضي، مليء بالمنشئين الذين يروجون للمحتوى والمنتجات الخاصة بهم، من الصعب تخيل أن الناس سيستمتعون بتجربة تجارية أكثر مع النظام الجديد.

الأمان والدعم كرفاهية

إذا سرق شخص ما بطاقتك الائتمانية وانتحل شخصيتك، فإنك تتوقع أن يحميك البنك، وإذا ذهبت إلى السوبر ماركت واشتريت الحليب الفاسد، فستتوقع أن يعيد لك أمين الصندوق المبلغ، بمعنى أن المستهلكين يتوقعون مستوى أساسيا من خدمة العملاء من الشركات أيّا كان مجال نشاطها.

لذلك من المفهوم سبب تفاعل بعض المستخدمين مع أخبار “ميتا” من خلال القول بأن الخدمات الأساسية مثل دعم العملاء وأمن الحساب يجب أن تكون مجانية.

أحد المستخدمين على صفحة مارك زوكربيرج على “فيسبوك” بعد الإعلان “يجب أن يكون هذا مجرد جزء من المنتج الأساسي، ولا يجب على المستخدم الدفع مقابل ذلك”، ورد عليه زوكربيرج قائلا إن “فيسبوك” سيظل يوفر بعض الدعم الأساسي للجميع، لكن التحقق من البطاقات الحكومية للأشخاص وتقديم خدمة العملاء عند الطلب أمر مكلف، وتحتاج “ميتا” إلى فرض رسوم لتغطية التكلفة.

لطالما كانت قضايا دعم العملاء والأمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا للشكاوى وغير موثوقة إلى حد ما، فتطبيقات مثل “فيسبوك” – التي تخدم ملياري شخص يوميا مجانا – لم توسع نطاق البرامج الأساسية بشكل فعال مثل خطوط مساعدة العملاء لمساعدة الأشخاص الذين تم حظرهم من حساباتهم، وكان التحقق دائما انتقائيا، وغالبا ما يكون المستخدمون الذين يتلقون اهتماما شخصيا هم من كبار الشخصيات مثل المسؤولين الحكوميين أو المشاهير أو الشخصيات الإعلامية أو الأشخاص الذين هم على صلة بشخص يعمل في الشركة.

لذلك، بينما يبدو أن “فيسبوك” تتقاضى رسوما مقابل شيء اعتادت فعله مجانا، إلا أنها في الواقع تتقاضى رسوما مقابل شيء لم تفعله جيدا على الإطلاق.

الدفع مقابل الوصول

إذا كنت مستخدما عاديا، فقد لا يعنيك أن تحصل على شارة زرقاء على “فيسبوك” أو “إنستجرام” مقابل دفعك 24 دولارا شهريا، ولكن إذا كنت تدير نشاطا تجاريا على هذه التطبيقات، فهذه قصة مختلفة، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية، حول الجزء الأكثر قيمة من مزايا الدفع مقابل الاستخدام في “فيسبوك” و “إنستجرام”، الحصول على المزيد من الاهتمام.

قبل إعلان “ميتا” الأخير، إذا كنت ترغب في تعزيز وصول منشور أو حسابك على “فيسبوك” أو “إنستجرام”، فسيتعين عليك إطلاق حملة إعلانية عليه – أي إعلان يتم تصنيفه بوضوح على هذا النحو للمستخدمين – إما كإعلان أو “برعاية” أو “محتوى مدفوع”، لكن الآن، يدفع كلا من “إنستجرام” و”فيسبوك” نحو تعزيز قدرة الأشخاص على الدفع مقابل اجتذاب المستخدمين، دون تمييز هذا الترويج على أنه إعلان.

في حين أن هذه الاشتراكات قد تساعد في جني المزيد من الأموال لـ “إنستجرام” و”فيسبوك” في وقت تعاني فيه في تحقيق الأرباح عن طريق الإعلانات التقليدية، إلا أنها قد تعرّض للخطر أيضا مكانتها مع المستخدمين الذين لا يرغبون في مشاهدة المزيد من المحتوى الترويجي.

على الجانب الآخر، اجتذبت “تيك توك” جيلا جديدا من المنئشين الذين انتقل العديد منهم إليها من التطبيقات القديمة مثل “إنستجرام” لأنهم يقولون إنه من الأسهل الانتشار حتى لو كنت أحد الهواة نسبيا وتنشئ محتوى أصيلا غير مروج، وحتى الآن، لا يحتوي التطبيق على نموذج اشتراك متميز، ولكنه يوسع نشاطه الإعلاني بنجاح في وقت تباطأ فيه عمل المنافسين مثل “ميتا” و”سناب تشات”، مع الإشارة إلى أن “تيك توك” بدورها لا تخلو أعمالها من انتهاك الخصوصية والخوارزميات التي يحيط بها الشك.

“ميتا”، وشركات الوسائط الاجتماعية الأخرى مثل “يوتيوب” تكافح لاستقطاب المستخدمين والمبدعين الصغار، حيث طرحت “إنستجرام” على وجه الخصوص مزايا جديدة عديدة تشبه ما لدى “تيك توك” – المنصة الاجتماعية ذات المستخدمين الأصغر سنا – لذلك من الضروري أن يتأكد “إنستجرام” و “فيسبوك” من عدم تذمر المستخدمين من المحتوى الترويجي القادم من المشتركين المدفوعين، وأن المنشئين يواصلون الرغبة في مشاركة المحتوى الخاص بهم على منصاتهم.

“ميتا” قالت إنها لا تعطي الأولوية للمحتوى المدفوع في كل مكان، على سبيل المثال، سيحصل المشتركون على الأولوية في صفحات “Explore” و”Reels” على “إنستجرام” ولكن ليس في الصفحة الرئيسية. ومع ذلك، فإن الـ “Reels” هي محور تركيز رئيسي للشركة لأنها تتنافس بها مع “تيك توك” في مساحة الفيديوهات القصيرة، لذا فإن تحديد الأولويات للمحتوى المدفوع هناك يعد أكثر أهمية إلى حد ما من الصفحة الرئيسية.

هل “الفصل الطبقي” هو الحل؟

لا زلنا في الأيام الأولى لنموذج وسائل التواصل الاجتماعي المدفوعة، ولكن مما نعرفه حتى الآن، قد تكون مجموعة فرعية صغيرة فقط من المستخدمين على استعداد للدفع. إذ يُقال إن “تويتر” لديه 0.2 بالمئة فقط من إجمالي قاعدة مستخدميه الذين يدفعون مقابل “تويتر بلو” اعتبارا من منتصف كانون الثاني/يناير. (تم إطلاق الخدمة في تشرين الثاني/نوفمبر).

الإشارة تجدر إلى أنها ليست مقارنة مثالية، لأنها النظام الأساسي مختلف والجمهور كذلك، ولكن قد يكون لدى “ميتا” فرصة أفضل لجذب المزيد من العملاء لبرنامجها المدفوع بسبب حجم قاعدة مستخدميها الهائل (تمتلك “ميتا” أكثر من 10 أضعاف عدد مستخدمي “تويتر”)، وحقيقة أن لديها المزيد من “المؤثرين” الذين يديرون أعمالا حقيقية على أنظمتها الأساسية.

لكن هناك مخاطر كبيرة على نموذج الدفع مقابل الاستخدام هذا، وسواء أكان الأمر يتعلق بنشر المستخدمين مقاطع لحيواناتهم الأليفة أو صورا لأطفالهم أو “المؤثرين” المحترفين الذين يبنون مِهنهم، فإن شبكات التواصل الاجتماعي مبنية على مستخدميها، وقد يؤدي إنشاء طبقات لهؤلاء المستخدمين إلى منع بعض الأشخاص من المشاركة في هذه الأنظمة على الإطلاق.

في الوقت الذي يبتعد فيه العديد من الشباب عن وسائل التواصل الاجتماعي، إما عن طريق تعطيل حساباتهم كليا أو البحث عن تطبيقات بديلة تبدو أكثر أصالة وأقل تجارية، يمكن لبعض الخطوات العاثرة أن تُخسر “ميتا” المستخدمين الذين ستكون في أمس الحاجة إليهم لتنجو في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.