استمع إلى المقال

من الظواهر الثورية التي ترافقت مع عصر التكنولوجيا والعملات المشفرة، ظهرت “NFTs” (الرموز غير القابلة للاستبدال) بين عامي 2021 و2022، والتي حملت في طياتها عالما جديدا من الإمكانيات والإبداع، وتمثل هذه الرموز الرقمية ملكية فريدة ومطلقة للأعمال الفنية والعناصر الرقمية، تعكس تاريخا وحضارة وهوية.

“NFTs”، وتختصر “Non-Fungible Tokens”، تحمل في جعبتها عالما واسعا من التنوع، حيث يمكن لها أن تأخذ أشكالا متعددة، تتضمن الصور الفنية الرقمية ومقاطع الفيديو والموسيقى والعقارات الافتراضية وأكثر من ذلك بكثير، وهذا النوع الجديد من الأصول الرقمية يمنح الفنانين والمبدعين الفرصة للتعبير عن أعمالهم على نحو فريد وملكية حصرية، وفي الوقت نفسه يمكن للمستثمرين شراء وحمل قطع نفيسة من تلك الأعمال والتمتع بها كأصول استثمارية.

طريقة عمل الـ “NFTs” تعتمد على تكنولوجيا البلوكشين، حيث يتم إصدار كل “NFT” على شبكة بلوكشين معينة مثل”Ethereum”، وهذه الشبكة تسجل معلومات حول الملكية والتاريخ والمعلومات الفنية للعمل أو العنصر الرقمي، مما يجعلها غير قابلة للاستبدال، بالإضافة إلى ذلك، تمكن التقنيات الذكية في البلوكشين من تحقيق عمليات نقل الملكية والبيع على نحو آمن وشفاف.

لكن مع هذا الانتشار الناري والإثارة التي أحدثتها “NFTs”، جاءت أيضا تحديات ومخاطر، وسرعان ما تجلى تقلب السوق وانهياره المفاجئ، وهذا تماما ما سنتناوله في السطور القادمة.

تاريخ وانتشار الـ “NFTs”

تاريخ نشأة وانتشار الـ”NFTs” في عالم الفن والتجارة والترفيه يمثل قصة استثنائية للتكنولوجيا والإبداع التي اجتمعتا لتشكل نقطة تحول في عالم الأصول الرقمية.

القصة بدأت عندما قام الفنان الأميركي مايك وينكلمان بإصدار أول “NFT” فني على شبكة “Ethereum”، وكان هذا العمل الفني عبارة عن صورة بسيطة تحمل اسم “Quantum”، ولكنه وضع بصمة في عالم الفن الرقمي بتأكيد أن الأعمال الفنية يمكن أن تكون مملوكة على نحو فريد وقابلة للتحقق على البلوكشين.

الأمور تطورت بسرعة بعد ذلك، حيث انضم عدد من الفنانين والمبدعين إلى هذا العالم الجديد، وظهرت المزيد من الأسواق والمنصات الرقمية التي تتيح للفنانين إصدار وبيع “NFTs”، وبدأ العشاق والمستثمرون في التوجه نحو هذا السوق، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في قيمة “NFTs”.

عام 2021 شهد انتشارا مذهلا للـ”NFTs” في عوالم متعددة، إذ أصبح الفن الرقمي جزءا متجذرا من ثقافة الإبداع العالمية، حيث قدم الفنانون أعمالا استثنائية تم تداولها بمبالغ ضخمة، كما اجتذبت “NFTs” الاهتمام في عالم التجارة، حيث بدأت العلامات التجارية والشركات في استخدامها كوسيلة للتسويق وبناء العلاقات مع العملاء.

في عالم الترفيه، أصبحت “NFTs” جزءا من تجربة اللاعبين، حيث تُستخدم لشراء وتمويل ألعاب الفيديو والمحتوى الرقمي، وتطورت أيضا الأعمال الفنية الرقمية لتصبح محتوى ترفيهياً مشهورا، مع تحويل الأعمال الكلاسيكية والشهيرة إلى صيغ “NFTs”.

أسباب تحليق الـ “NFTs”

ارتفاع قيمة وطلب الـ”NFTs” في سوق المضاربين، هو نتيجة لتجمع عوامل متعددة تشكلت معا كزوبعة مثيرة تعصف بعالم الأصول الرقمية، وهناك عدة أسباب ومحفزات تفسر هذا الظاهرة الرائجة:

  • التميز والتفرد: تكمن قوة الـ”NFTs” في قدرتها على منح الملكية الفريدة للأعمال الفنية والعناصر الرقمية، إذ كل “NFT” هو مختلف عن الآخر، وهذا يضيف قيمة خاصة للمشترين والمستثمرين.
  • الشفافية والأمان: يعتمد الـ”NFTs” على تكنولوجيا البلوكشين التي تسمح بتسجيل كل صفقة على نحو دائم وشفاف، وهذا يعني أنه من الصعب تزوير أو تزييف “NFT”، مما يزيد ثقة المستثمرين.
  • التوجهات الاستثمارية: ارتفعت أصوات المستثمرين البارزين الذين اعتبروا “NFTs” فرصة استثمارية جديدة ومثيرة، ما دفع الكثيرين لتخصيص جزء من استثماراتهم لشراء “NFTs”.
  • التأثير الثقافي والاجتماعي: تمثل “NFTs” أحيانا رموزا للهويات الثقافية والاجتماعية، وهذا يعزز من جاذبيتها، والعمل الفني أو العنصر الرقمي يصبح جزءا من قصة المشتري، ويمكنه التفاعل معه على نحو فريد.
  • التفاعل الرقمي: يمكن لمالكي “NFTs” التفاعل معها بطرق متعددة، سواء كان ذلك من خلال الألعاب أو الأنشطة الاجتماعية عبر الإنترنت، وهذا يضيف قيمة تجربة الملكية الرقمية.
  • التكنولوجيا والإبداع الفني: يستمد الـ”NFTs” قوتها من تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتفاعلي، مما يجعلها ممتعة وجديدة من الناحية التكنولوجية.
  • التحولات في الثقافة الاقتصادية: تغيرت توقعات الناس تجاه الأصول والاستثمارات، مما دفعهم للبحث عن أصول رقمية تتناسب مع عالمهم الرقمي.
  • الترويج والإعلان: الحملات الترويجية والإعلانية من قبل الفنانين والمنصات الرقمية زادت الوعي بـ”NFTs” وجعلتها أكثر شهرة.

هذه العوامل المتداخلة شكلت سوقا نابضا بالحياة للـ”NFTs”، حيث شعر المستثمرون والمشترون بالحماسة والفرص الكبيرة التي قدمتها هذه الأصول الرقمية الفريدة.

تم بيع العمل الفني Winter Bear # 1178 من مجموعة Winter Bears بأكثر من 35000 دولار في عام 2021. تبلغ قيمتها الآن حوالي 6.52 دولارات فقط.

أسباب انفجار فقاعة الـ “NFTs”

انخفاض أسعار مبيعات الـ”NFTs” يعكس تحولا طبيعيا في دورة السوق لهذه الأصول الرقمية، إن هذه المؤشرات تنبئ بتغييرات في تفاعل المستثمرين والمشترين مع السوق، وقد يكون لها أسباب متعددة من بينها:

  • تقلبات العملات الرقمية: يعتمد سوق الـ”NFTs” بشكل كبير على العملات المشفرة مثل “Ethereum” و”Bitcoin” لعمليات الشراء والبيع، وتقلبات هذه العملات يمكن أن تنعكس بشكل كبير على أسعار وقيمة الـ”NFTs” المقدمة بمقابلها، وانخفاض قيم العملات الرقمية الكبرى قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الـ”NFTs”.
  • زيادة العرض: مع تزايد شعبية الـ”NFTs”، شهدنا تدفقا كبيرا لمشاريع جديدة وعروض “NFTs” على مختلف المنصات، وهذه الزيادة في العرض أدت إلى تشتت اهتمام المستثمرين والمشترين وقلة العروض التي تُعتبر فريدة وذات قيمة حقيقية.
  • التوجهات الاستثمارية: قد يشهد السوق انتقالات في توجهات المستثمرين، حيث يمكن أن يتحولوا إلى فئات أخرى من الاستثمار، أو يبيعون “NFTs” لجني أرباح أو تنويع محافظهم.
  • التراجع: بعد ذروة الاهتمام، يمكن أن ينخفض الطلب على الـ”NFTs” مع انحسار الإثارة المحيطة بها، ذلك يمكن أن يؤدي إلى تراجع أسعارها.
  • ارتفاع الرسوم: ارتفاع رسوم معاملات الـ”NFTs” يمكن أن يقلل من جاذبيتها للمشترين، حيث يتضمن ذلك تكلفة إصدار وتداول الـ”NFTs” ويمكن أن يؤثر سلبا على قيمتها.
  • المنافسة: مع انتشار الـ”NFTs”، زادت المنافسة بين الفنانين والمشترين والمنصات، هذا يمكن أن يزيد صعوبة بيع “NFTs” ويؤدي إلى تراجع الأسعار.

انخفاض أسعار مبيعات الـ”NFTs” هو جزء من عملية التكامل الطبيعي للسوق وتعبئتها لمرحلة جديدة من التطور، ويجب على المستثمرين والمشترين أن يتعاملوا مع هذه المؤشرات بحذر، وأن يفهموا أن السوق يمر بمراحل متغيرة بين الارتفاع والانخفاض.

مستقبل غامض

في النهاية، نجد أن سوق الـ”NFTs” شكل تحولا استثنائيا في عالم التكنولوجيا والفن والتجارة، وعلى الرغم من العيوب والتحديات التي واجهتها هذه الظاهرة الرقمية الجديدة، إلا أنها تظل علامة فارقة في عصرنا الحديث.

القيمة الحقيقية للـ”NFTs” قد تبدو غامضة بالنسبة للبعض، ولكنها تستند إلى تفاعلات جديدة ومبتكرة قائمة على التقنيات الحديثة، ويُمكن أن تكون هذه التكنولوجيا والفلسفة وراء الـ”NFTs” هي العناصر التي تسهم في تطوير الويب 3 وتحقيق تحول في كيفية تفكيرنا حول الملكية والابتكار والثقافة.

مع التزام الصناعة بمعالجة التحديات وتطوير مزيد من الحلول الإبداعية، يمكن أن تظل الـ”NFTs” محفزة للتغيير والتقدم، إن التوقعات بنمو سوق الـ”NFTs” خلال العقدين المقبلين تشير إلى أنها لا تزال لديها إمكانية كبيرة لتشكيل مستقبل الويب 3.

من المهم أن نتذكر دائما أن تطور التكنولوجيا يأتي مع تحدياته وفرصه، ويمكن أن تكون الـ”NFTs” هي واحدة من الأدوات التي تسهم في تشكيل العالم الرقمي الجديد، ولكنها بحاجة إلى التطور والتحسين المستمرين لتحقيق الأهداف المستدامة وتقديم فوائد حقيقية للمجتمع والفنانين والمستثمرين على حد سواء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات