بين “هواوي” وأميركا.. لماذا تلعب السعودية على الحبلين في توريد المعدات التقنية؟

بين “هواوي” وأميركا.. لماذا تلعب السعودية على الحبلين في توريد المعدات التقنية؟
استمع إلى المقال

مع عودة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى واشنطن من رحلته إلى الشرق الأوسط خلال الصيف الماضي، والتي التقى فيها عدد من قادة المنطقة أبرزهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي استقبله بتحية ضرب القبضتين الشهيرة، بدأ المسؤولون الأميركيون والسعوديون في تنفيذ زوج من اتفاقيات الأمن السيبراني التي أعلن عنها البلدان خلال زيارة بايدن إلى جدة.

إحدى الاتفاقيات، هي شراكة في مجال الأمن السيبراني بين “وكالة الأمن السيبراني” و”أمن البنية التحتية” و”مكتب التحقيقات الفيدرالي” (FBI) من جهة، و”الهيئة الوطنية للأمن السيبراني” في المملكة العربية السعودية من جهة أخرى.

أما الثانية، كانت عبارة عن صفقة بين وكالات الاتصالات الأميركية والسعودية لتعزيز تعاون القطاع الخاص في نشر شبكات الجيل الخامس، كان من الممكن أن تمنح الولايات المتحدة تقدما في معركتها مع الصين حول أمن شبكات أجيال الاتصالات القادمة.

الرئيس بايدن قال للصحفيين في جدة، إنه كجزء من الصفقة، ستستثمر المملكة العربية السعودية في التكنولوجيا الجديدة التي تطورها الولايات المتحدة لتطوير وتأمين شبكات الجيل الخامس والجيل السادس الموثوقة. تعزز هذه التقنية، المعروفة باسم “شبكات الوصول الموجي المفتوح” أو (Open RAN)، التقنيات القابلة للتشغيل البيني، بدلاً من الملكية، مما يجعل من السهل الجمع بين أجزاء من البنية التحتية التي يقدمها المزوّدون المختلفون.

مواجهة “هواوي”

دعم المملكة العربية السعودية اعتُبر دعما لجهود الولايات المتحدة للترويج لتقنيات الجيل الخامس الغربية في منطقة الشرق الأوسط التي هيمنت عليها تقنيات “هواوي” خلال السنوات الأخيرة. حيث تنتشر تكنولوجيا “هواوي” على نطاق واسع في المنطقة، وبسبب الدعم الحكومي الصيني، يصعب على الشركات الأخرى المنافسة.

لا يتعلق الأمر بشبكات الهاتف المحمول فقط، إذ يمكن لتقنيات الجيل الخامس والسادس أن تعزز الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية لتصل إلى جميع أنواع المعدات. قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لصحيفة “بوليتيكو”، “النية هي توسيع نطاق الشراكة ليشمل التطبيقات المبنية على شبكات الجيل الخامس، والتي يمكن أن تشمل، على سبيل المثال، إدارة الأجهزة عن بعد في شبكات الطاقة”.

السعودية وافقت رسميا على نشر “شبكات الوصول الموجي المفتوح” تجريبيا، من خلال الشراكة الجديدة، وذكر المكتب الإعلامي للبيت الأبيض أن هناك استثمارا ماليا سعوديا مهما كجزء من خطة بنية تحتية أوسع لمجموعة السبع. لكن من غير الواضح مدى ضخامة هذا المشروع التجريبي، وكيف سيؤثر على مواصلة شراء السعودية المزيد من شبكات الجيل الخامس الغربية أو الشركات المشاركة.

قد يهمك: التداعيات الأمنية لاتفاقية معدات الاتصالات السورية الصينية

على الضفة الأخرى

على النقيض من كل ما سبق، شهدت العلاقات السعودية-الصينية، تعزيزا غير مسبوق مؤخرا من خلال سلسلة من الصفقات الاستراتيجية التي عُقدت يوم الخميس الماضي خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية، التي استمرت ثلاثة أيام.

من أبرز تلك الصفقات كانت واحدة مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة “هواوي”، الخاضعة للعقوبات الأميركية، والتي لطالما أثار توغلها المتزايد في منطقة الخليج مخاوف أمنية أميركية. وقّع الملك سلمان “اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة” مع شي، الذي لقي ترحيبا حارا في بلد يشهد إقامة شراكات عالمية جديدة خارج المعسكر الغربي.

الزعيم الصيني جين بينغ، أجرى محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، والذي استقبله بابتسامة دافئة. وبشّر شي، بـ “حقبة جديدة” في العلاقات الصينية-العربية.

تلك الزيارة، وما تخللها وتلاها من اتفاقيات ومسودات تعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبتروكيماويات والنقل بلغت قيمتها مجتمعة 80 مليار دولار أميركي، مثلت تناقضا صارخا مع الترحيب الذي لقيه الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز/يوليو.

الولايات المتحدة، التي تراقب بحذر نفوذ الصين المتنامي وعلاقاتها بالرياض، قالت يوم الأربعاء إن رحلة جين بينغ، مثال على المحاولات الصينية لبسط نفوذها في أنحاء العالم، لكنها لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

صفقة عملاقة مع “هواوي”

تم الاتفاق على مذكرة تعاون مع شركة “هواوي” الصينية، بشأن استيراد السعودية تقنيات الحوسبة السحابية التي تصنعها الشركة، وبناء مجمّعات عالية التقنية في المدن السعودية، على الرغم من عدم ارتياح الولايات المتحدة للمخاطر الأمنية المحتملة في استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية من قبل حلفائها في الخليج، الذين ساهمت “هواوي” في بناء شبكات الجيل الخامس لديهم.

بكين وصفت مذكرة التفاهم هذه بأنها “أكبر مبادرة دبلوماسية لها في العالم العربي”.

في مقال رأي كتبه شي جين بينغ، ونشرته صحيفة الرياض السعودية بعنوان “توارث الصداقة الممتدة لآلاف السنين والعمل سوياً على خلق مستقبل جميل” قال شي، إنه كان في “رحلة رائدة” من أجل “فتح حقبة جديدة من علاقات الصين مع العالم العربي ودول الخليج العربية والمملكة العربية السعودية”.

شي، أضاف أن الصين والدول العربية “ستواصل رفع راية عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، وقالت قناة “CCTV” الصينية الرسمية إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يشاركه هذا الشعور، حيث قال إن بلاده تعارض أي “تدخل في الشؤون الداخلية للصين باسم حقوق الإنسان”، في رسالة منه للدعاوى الغربية على الصين.

إن الصين ستعمل القمم التي عقدتها في السعودية أحداثا بارزة في تاريخ العلاقات الصينية العربية. كما أن بكين تعتبر الرياض ركيزة في العالم متعدد الأقطاب.

الرئيس الصيني شي جين بينغ

لعب خطير أم تعدد حلفاء؟

السعودية، ودول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة، قالت إنها لن تختار طرفا بين القوى العالمية على حساب الآخر، وأنها تعمل على تنويع الشركاء لخدمة مصالحها الاقتصادية والأمنية الوطنية.

الصين، على الجانب الآخر، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، شريك تجاري رئيسي لدول الخليج، وقد توسّعت العلاقات الثنائية مع دفع المنطقة للتنويع الاقتصادي، ما أثار قلق الولايات المتحدة بشأن مشاركة الصين في البنية التحتية الخليجية الحساسة، على رأسها معدات الاتصال.

وزير الطاقة السعودي قال إن الرياض ستبقى شريك طاقة “موثوق به” لبكين، وأن البلدين سيعززان التعاون في سلاسل إمداد الطاقة من خلال إقامة مركز إقليمي في المملكة للمصانع الصينية.

قد يهمك: تيسلا والسعودية.. رقصة كلفت ماسك ملايين الدولارات

موازنة الحلفاء

شركة “هواوي” لديها سمعة بالغة السوء في الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يحظرون استخدام المعدات التي تصنعها تلك الشركة. لكن من وجهة النظر السعودية، كان للاتفاقية أهمية خاصة، فمنذ عام 2019، وقّعت معظم شركات الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي عقود مع “هواوي” من أجل معدات شبكات الجيل الخامس التي تقدمها.

السعودية ترى أن الابتكارات التكنولوجية والتحول الرقمي أساسيان لتحقيق “رؤية 2030″، حيث ترى أن الصين تلعب دورا رئيسيا على اعتبار أنها تمتلك أكبر بنية تحتية للإنترنت في العالم، وقد قطعت أشواطا هائلة في مجال الروبوتات والذكاء الصنعي، وهو أمر يريد السعوديون الاستفادة منه.

لكن القلق في واشنطن كان واضحا كذلك. على الرغم من أن الرياض والولايات المتحدة حليفان قديمان تمتد علاقاتهما لعقود، إلا أن العلاقات الثنائية في إدارة بايدن تراجعت بسبب حقوق الإنسان وقضايا أخرى. لكن أحد أكبر دواعي القلق في واشنطن هو يصل الصينيون إلى التكنولوجيا الأميركية المستخدمة في الجيل الخامس والمجالات ذات الصلة من خلال السعوديين.

ما يجدر ذكره في هذا الصدد، موافقة الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي على خطة بقيمة 1.5 مليار دولار لاستبدال معدات “هواوي” المستخدمة في خدمات شبكات الهاتف المحمول في المناطق الريفية بـ “شبكات الوصول الموجي المفتوح”، لنفس السبب. في نفس الوقت لم يمضِ ستة أشهر على توقيعها اتفاقية اتصالات كبرى مع السعودية.

لذلك، فإن القرار السعودي بالمضي قُدما مع شركة “هواوي” متجاهلا مخاوف الولايات المتحدة لن يسير على ما يرام. كما حذر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، فإن الولايات المتحدة “تدرك التأثير الذي تحاول الصين تنميته حول العالم، ومن المؤكد أن الشرق الأوسط هو أحد تلك المناطق التي يريدون تعميق مستوى نفوذهم فيها. نعتقد أن العديد من الأشياء التي يحاولون متابعتها والطريقة التي يحاولون اتباعها لا تساعد في الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين”.

المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة هي حقيقة أن الرياض لا تزال شريكا أمنيا رئيسيا في العالم العربي، وتعتبر المستورد الأول عالميا للأسلحة الأميركية. كما دعمت الرياض، وبعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين، الضغط الأميركي على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

البلَدان بحاجة بعضهم البعض، لكن الولايات المتحدة لا تتجاهل حقيقة أن هذه الزيارة هي الثالثة التي يقوم بها شي جين بينغ منذ الوباء، والأولى إلى المملكة منذ عام 2016. من الواضح أن الصين ستستغل هذا الانفتاح، ليس فقط لتوسيع الروابط السياسية والعسكرية، ولكن أيضا لتجذب السعوديين إلى مبادرة “الحزام والطريق”.

في مقال رأي نشره جو بايدن في “صحيفة واشنطن” بوست قبل رحلته إلى الشرق الأوسط في تموز/يوليو، أشار إلى أنه من الضروري تحسين العلاقات الأميركية السعودية من أجل التنافس مع الصين. لكن محمد بن سلمان، لا يرى الأمر بهذه الطريقة على الإطلاق، بحسب مجلة “فورين بوليسي”.

من وجهة نظره، فإن اللعبة الآن هي كيف يمكنه استخدام بطاقة الصين لصالح المملكة العربية السعودية، واستخراج كل ما يمكنه الحصول عليه من كل من بكين وواشنطن دون نفور أي منهما منه بشكل دائم.

“زواج إسلامي”

إن محاولة الولايات المتحدة إعادة تأكيد هيمنتها العالمية، وُصفت من قِبل العديدين على أنها محاولة لبدء حرب باردة جديدة ضد الصين، لكن سلوكيات العديد من الدول حول العالم، التي تعمل، على غرار السعودية، على تنويع تحالفاتها، توضح أنها لا تريد حربا باردة جديدة، ولكن نظاما متعدد الأقطاب حيث يمكن لتلك الدول دعم مصالحها من خلال اصطفافات مختلفة.

يتجلى ذلك بشكل أكثر وضوحا وصراحة، في غرب آسيا ودول الخليج العربي تحديدا، حيث يبدو أن دول الخليج ترغب في العمل مع الولايات المتحدة في مجال الأمن، ومع الصين في التعاون الاقتصادي. ولا يبدو أن هناك سببا لأي منها للتخلي عن أحدهما مقابل الآخر.

منطقة غرب آسيا تسعى لأن تكون أكثر ثقة واستقلالية وسيادة. لقد أدى نقص اهتمام واشنطن بالمنطقة آخر خمس سنوات إلى زيادة الحوار بين مختلف الشركاء في المنطقة، وخاصةً حوار المملكة العربية السعودية مع إيران الذي بدأ العام الماضي.

لا تزال هذه الحوارات سطحية ووليدة، حيث بدأت المحادثات السعودية الإيرانية العام الماضي، لكن من غير المرجّح أن يتغير اتجاه هذه الحوارات. لذا، سيبحث كلا من الأطراف عن شركاء يمكن أن يعمل معهم ويعزز مصالحه، ومن هذا المنطلق، سيُنظر إلى الصين على أنها شريك طبيعي.

السعودية لم تتبنى هذه العقلية مؤخرا، بل لمحت إليها منذ أكثر من 15 سنة، عندما قال وزير الخارجية السعودي آنذاك، سعود الفيصل، للصحفي ديفيد أوتاوي، إن العلاقة الأميركية السعودية لم تكن “زواجا كاثوليكيا”، حيث يُسمح بزوجة واحدة فقط، بل كان “زواجا إسلاميا”، حيث يُسمح لأربع زوجات. لم تكن المملكة العربية السعودية تسعى إلى الطلاق من الولايات المتحدة، كتب أوتاوي، لكنها كانت تسعى للزواج من دول أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.