استمع إلى المقال

الذكاء الاصطناعي تعد من أكثر التقنيات الحديثة التي تؤثر في مختلف جوانب حياتنا، لا سيما العديد من القطاعات سواء الاقتصادية أو التجارية أو حتى قطاع الرعاية الصحية، وخصوصا في جزئية تطوير العقاقير وقطاع الأدوية.

تطوير الأدوية هو عملية معقدة ومكلفة ومستهلكة للوقت، تتطلب إجراء بحوث واسعة وتجارب سريرية لإثبات فعالية وسلامة المركبات الدوائية، فوفقا لدراسة قام بها مركز “Tufts” الأميركي لتطوير الأدوية، تُقدّر تكلفة الاكتشاف والتطوير لكل دواء معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بحوالي 2.6 مليار دولار، كما يستغرق التطوير متوسط 10 سنوات، وينجح فقط 12 بالمئة من المرشحين للأدوية في المرور من المرحلة الأولى إلى الموافقة.

هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تحسين هذه العملية، من خلال استخدام خوارزميات ونماذج تنبؤية قادرة على توليد وتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة أعلى من البشر، كما يمكنه أن يساعد على اكتشاف جزيئات ومركبات جديدة، وتسريع عملية التجارب السريرية، وتقليل التكاليف والإخفاقات.

إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تخصيص الأدوية حسب احتياجات كل مريض، وزيادة فرص شفائه.

في هذا التقرير، سنستعرض بعض التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية، وسنذكر بعض الأمثلة التي تخص شركات أو مشاريع تستخدم هذه التقنية في هذا المجال، كما سنناقش بعض التحديات المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية.

أمثلة من الواقع

قطاع الأدوية، الذي بدأ يشهد تقدما مذهلا في السنوات الأخيرة، وذلك بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدة نواحي، مثل اكتشاف وتصميم وتطوير وتسويق الأدوية، وفيما يلي بعض الأمثلة على دور تطوير الذكاء الاصطناعي لهذا القطاع.

دواء “التليف الرئوي”

في إنجاز علمي غير مسبوق، تمكن باحثون من ابتكار دواء جديد لمرض يصيب الرئتين باستخدام الذكاء الاصطناعي، الدواء الذي يحمل اسم “INS018_055″، هو نتاج لتحليلات معقدة لبيانات كبيرة جدا، تضمنت عوامل وراثية وجزيئية، لإيجاد مواد فعّالة وآمنة لعلاج مرض “التليف الرئوي الخِضَرِي” (IPF)، هذا المرض يسبب تلفا وتندّبا في أنسجة الرئتين، مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس.

الدواء الجديد يعد من الأدوية المهمة التي تم اكتشافه وتصميمه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى تجارب معملية أو حيوانية، هذه التقنية توفر الكثير من الوقت والمال والجهد في عملية ابتكار الأدوية، وتسهّل تطوير علاجات مخصصة لكل مريض.

تطوير الأدوية

حاليا، يخضع الدواء للتجارب السريرية على المرحلة الثانية، حيث يتم اختبار فعاليته وسلامته على عدد من المرضى المصابين بـ “التليف الرئوي”.

إذا نجحت هذه التجارب، فإن الدواء سيكون ثورة في مجال علاج مرض “التليف الرئوي”، والذي يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم، هذا المرض لا يوجد له علاج شاف أو وقائي في الوقت الحالي، وغالبا ما يؤدي إلى الموت خلال ثلاث إلى خمس سنوات من التشخيص، لذلك، يأمل الباحثون أن يكون هذا الدواء فرصة جديدة لإنقاذ حياة المرضى وتحسين صحتهم.

 دواء “الوسواس القهري”

دواء “DSP-1181″، الذي تم ابتكاره بواسطة شركة “Exscientia” البريطانية وشركة “Sumitomo Dainippon Pharma” اليابانية، لعلاج اضطراب”الوسواس القهري”، هذا الدواء تم تصميمه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد دخل في التجارب السريرية على المرحلة الأولى في كانون الثاني/يناير 2020.

الدواء هو عبارة عن مادة فعالة تحفز مستقبلات “السيروتونين” (5-HT1A)، والتي تلعب دورا مهما في تنظيم المزاج والقلق والخوف؛ من المعروف أن هذه المستقبلات تقل نشاطها في حالات “الوسواس القهري”، والذي يتميز بظهور أفكار ومخاوف غير منطقية ومزعجة، تدفع المصاب إلى تكرار سلوكيات معينة لتخفيف التوتر، هذا المرض يؤثر على نحو 2-3 بالمئة من السكان، ويسبب اضطرابات نفسية واجتماعية وصحية.

تطوير الأدوية

تم اكتشافه وتصميمه باستخدام منصة “Centaur Chemist”، التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد مركبات دوائية جديدة ومبتكرة، هذه المنصة تستخدم خوارزميات متقدمة لتحليل بيانات ضخمة، بما في ذلك المعلومات الوراثية والجزيئية والفسيولوجية، لإيجاد مادة فعّالة وآمنة لعلاج حالات محددة، وهي توفر أيضا الكثير من الوقت والجهد في عملية ابتكار الأدوية، حيث استغرق اكتشاف هذا الدواء أقل من 12 شهرا، بينما يستغرق التصميم التقليدي حوالي خمس سنوات.

الدواء قد أظهر نتائج إيجابية في التجارب السريرية على المرحلة الأولى، حيث لم يظهر أية آثار جانبية خطيرة أو غير متوقعة، كما أظهر فعالية عالية في تحسين أعراض “الوسواس القهري” لدى المشاركين في التجارب.

دواء “سرطان المعدة”

دواء “Bemarituzumab”، الذي تم ابتكاره بواسطة شركة “Five Prime Therapeutics” الأميركية بالتعاون مع شركة “Zai Lab” الصينية، لعلاج “سرطان المعدة”، هذا الدواء هو أول دواء من نوعه يستهدف مستقبلات “FGFR2b”، والتي تلعب دورا مهما في نمو وانتشار الخلايا السرطانية، وقد تم تصميمه باستخدام منصة “FPA Discovery”، التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أفضل المستضدات والأجسام المضادة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان، هذا الدواء قد أظهر نتائج إيجابية في التجارب السريرية على المرحلة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

دواء “التهابات الجلد”

دواء “Halobetasol Propionate”، الذي تم تصميمه بواسطة شركة “BiomX” الإسرائيلية، لعلاج “التهابات الجلد”، هذا الدواء هو عبارة عن كريم جلدي يحتوي على مادة فعالة تثبط إنزيم “NF-kB”، والذي يسبب التهابات وحساسية في الجلد، هذا الدواء تم تصميمه باستخدام منصة “Phage Display”، التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أفضل المواد المضادة لإنزيم “NF-kB” من بين ملايين المرشحات.

استغلال قدرات الآلات

من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا متزايدا في صناعة الأدوية، ويفتح آفاقا جديدة لابتكار علاجات أكثر فعالية وسرعة وتخصيصا للمرضى، هذه التقنية تمكّن الباحثين من استغلال قدرات الآلات في التعلم والتحليل والإبداع، لتوليد مركبات دوائية جديدة ومبتكرة، ولتحسين عملية اختيار الدواء المناسب لكل حالة، هذه التقنية توفر أيضا الكثير من الموارد والجهود والوقت، التي تستهلكها عملية تطوير الأدوية بالطرق التقليدية.

في المستقبل، قد نشهد ثورة في مجال الرعاية الصحية، بفضل تطورات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية، قد نرى أدوية جديدة تستطيع علاج أمراض لم يكن لها علاج سابق، أو تحسين نوعية حياة المرضى بشكل كبير، قد نرى أيضا أدوية مخصصة لكل فرد، تأخذ في الاعتبار خصائصه الوراثية والجزيئية والفسيولوجية، وتقدم له أفضل خيار علاجي، أو قد نشهد أخيرا أدوية ذكية، تستطيع التكيف مع تغيرات المرضى والبيئة، وتعديل جرعاتها وآثارها بشكل تلقائي.

هذه الإمكانات تشير إلى الدور الكبير للذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية، وإلى فوائد عظيمة للإنسانية، لكن هذه التقنية تحتاج أيضا إلى تنظيم وإشراف وأخلاق، لضمان استخدامها بشكل مسؤول وآمن، فالذكاء الاصطناعي هو أداة قوية، يمكن أن تُستخدم للخير أو للشر، ولا بد من الحفاظ على التوازن بين التقدم العلمي و حقوق وصحة الإنسان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات