استمع إلى المقال

على ما يبدو أننا محاصرون في عصرٍ مُشوّه بواسطة الشبكات الاجتماعية الرقمية، حيث يتعاظم تأثيرها يوما بعد يوم، وتتجاوز حدودها الافتراضية لتمتد إلى أعماق حياتنا اليومية، في هذا العالم الرقمي المتغير، تبرز ظاهرة الحسابات الوهمية كمشكلة تثير قلق الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وتبرز الأسئلة التالية، ما الهدف الذي يدفع بالأشخاص لخلق هذه الحسابات الوهمية، ومن المسؤول عن انتشارها المضر، وكيف تخوض منصات التواصل الاجتماعي حربا ضد هذه الظاهرة الخبيثة.

عبر متاهات الإنترنت، يعيش البشر في عالم مواز مليء بالمزيفين والمنافقين الذين يجدون في الحسابات الوهمية وسيلةً للتستر على هويتهم وترويج أجنداتهم الخفية، فمن خلال هذه الحسابات، يُمكن للفرد المشبوه أن يصنع صورة مزيفة عن ذاته، وينشر الأكاذيب والمعلومات الضارة، دون أن يتحمل أي مسؤولية واضحة، هي ظاهرة تشوب شبكات التواصل الاجتماعي، المصدر الأساسي للاحتفالات والمشاركات الاجتماعية والتواصل الشخصي، بل وحتى المكان الذي يعتمد عليه العديد من الأفراد والشركات في بناء هويتهم الرقمية وتسويق منتجاتهم.

في هذا التقرير، سنستكشف ماهية الحسابات الوهمية، ونبحث في أهداف خلقها على منصات التواصل الاجتماعي، كما سنتطرق أيضا حول المسؤولية المترتبة على انتشارها وتأثيرها السلبي على المجتمعات الرقمية، وفي المحور الثاني، سنلقي نظرة عن قرب على الحرب التي تشنّها المنصات الاجتماعية للقضاء على الحسابات الوهمية وتعزيز الأمان والثقة ببيئتها الرقمية.

هي رحلة لاكتشاف حقيقة ظاهرة الحسابات الوهمية ودورنا جميعا في مواجهتها والحفاظ على عالم رقمي آمن وموثوق.

الهدف من الحسابات الوهمية

هناك العديد من الأهداف التي تتعلق بإنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعية، منها التسويقية أو السياسية أو الاجتماعية أو حتى الشخصية، وإليكم الأسباب الشائعة لإنشاء الحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي.

  • زيادة الشهرة والتأثير

البعض يُنشئ الحسابات الوهمية لكسب شهرة واستعراض تأثيرهم في المجتمع الرقمي، حيث يهدفون إلى جذب المتابعين والإعجابات؛ وبالتالي يظهرون بشكل مؤثر ومشهور، لكن هذه الحسابات لا تعبر عن شخصيات حقيقية أو آراء موضوعية، بل تستخدم لأغراض سلبية مثل نشر الإشاعات أو التحريض أو الترويج لأفكار مغلوطة أو منافية للقيم والأخلاق، كما أن هذه الحسابات تخالف سياسات وقوانين مواقع التواصل الاجتماعي، وتشكل خطراً على سمعة وأمن المستخدمين الآخرين.

  • ترويج الأجندات والمنتجات

البعض يستغل الحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي لترويج أجندات سياسية أو اجتماعية محددة، وأيضا للتسويق لمنتجات معينة دون الكشف عن هويتهم الحقيقية، يهدفون إلى الوصول إلى جمهور أوسع والتأثير في آراء الناس، دون أن يتعرف الجمهور على هوية الأشخاص والجهات وراء هذه الحسابات، قد يقومون بنشر محتوى مشوّق وجذاب يدعم أجنداتهم، أو يسعى لتعزيز وبيع منتجات محددة، ومع توسع نطاق التأثير الذي يمكن أن تحققه هذه الحسابات، يمكنهم تشكيل الرأي العام وتوجيه الانتباه نحو ما يرغبون في ترويجه، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاتجاهات والقرارات المجتمعية.

  • التأثير على الرأي العام

بعض الحسابات الوهمية تُنشأ خصيصا لنشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة بهدف التأثير على الرأي العام وتشكيل الاتجاهات والمواقف، ويتم توجيه هذه الحسابات لنشر رسائل محددة تخدم أجندات سياسية، اجتماعية، أو غيرها من الأجندات الضارة.

الحسابات الوهمية

يتم استخدام الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة لإثارة الجدل والتلاعب بتصورات الناس وقناعاتهم، كما يستغل صُنّاع الحسابات الوهمية الشبكات الاجتماعية كوسيلة لنشر هذه الأخبار الكاذبة وتحقيق تأثير واسع وسريع، وباستغلال الخصائص الخوارزمية للمنصات، قد يتم تعزيز انتشار هذه الأخبار الكاذبة وتصديقها من قبل الجمهور، مما يؤثر في تشكيل الرأي العام والقرارات الجماعية.

  • الهجوم والتشويش

الحسابات الوهمية يتم استخدامها في بعض الأحيان كأدوات للهجوم والتشويش على فرد معين أو مؤسسة معينة، خاصة في فترات حساسة مثل فترات الانتخابات. يتم تنفيذ هذه الحملات سواء لأسباب شخصية أو لأغراض سياسية أو اقتصادية.

في بعض الحالات، يتم استخدام الحسابات الوهمية لتشويه سمعة فرد أو تشويه صورة مؤسسة من خلال نشر أخبار كاذبة وادعاءات ضارة، يستهدف الهجوم تشويش الرأي العام وتشويه الثقة بالشخص أو المؤسسة المستهدفة، وذلك لتحقيق أهداف محددة مثل الإضرار بسمعة المنافسين أو تعطيل نجاح حملة سياسية أو تضليل المستهلكين.

الحسابات الوهمية تُستخدم أيضا في حملات التشويش على مستوى الرأي العام، حيث يتم انتشار معلومات مضللة ومشوهة بهدف زعزعة استقرار المجتمع أو إثارة الفوضى الاجتماعية، قد يتم تنفيذ هذا النوع من الهجمات في سياق الصراعات السياسية أو الاقتصادية، حيث يهدفون إلى زرع الانقسامات والتوترات بين المجتمعات والجماعات المختلفة.

  • الاحتيال والحملات السيبرانية

الحسابات الوهمية تعتبر أداة قوية في حملات الخداع والاحتيال السيبرانية، يُنشئ بعض الأشخاص هذه الحسابات بهدف خداع الآخرين واستغلالهم للحصول على معلومات شخصية أو مالية، أو لتنفيذ عمليات احتيالية، ويتم استخدام الحسابات الوهمية في بعض الأحيان كأداة في حملات القرصنة السيبرانية، حيث يتم استغلالها لاختراق الحسابات الحقيقية أو نشر برامج ضارة.

هذه الحملات تتبع عادة أساليب متنوعة لجذب الضحايا وإقناعهم بالتفاعل مع الحساب الوهمي، قد يتم استخدام أساليب الهندسة الاجتماعية لخلق ثقة وإغراء الأفراد للكشف عن معلومات حساسة أو القيام بمشاركة مالية؛ علاوة على ذلك، قد يتم استخدام الحسابات الوهمية لنشر روابط مشبوهة تحوي برامج ضارة، والتي إذا تم تنزيلها أو النقر عليها قد يؤدي إلى اختراق الأجهزة أو سرقة المعلومات الشخصية.

المنصات ضد الحسابات الوهمية

الحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي، هي حسابات تستخدم تفاصيل غير صادقة أو مزيفة لخداع الجمهور أو نشر معلومات غير دقيقة أو جمع تفاصيل مالية أو شخصية، هذه الحسابات تشكل تهديدا بشكل عام للمنصات كلها؛ لذلك، تحاول المنصات مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” القضاء على الحسابات الوهمية بواسطة أدوات وقوانين مختلفة.

منصة “فيسبوك”

هذه المنصة تملك أكثر من 2.9 مليار مستخدم نشط شهريا، ولكن هذه الشعبية تجذب أيضا الكثير من المحتالين والمخربين والمؤثرين السلبيين الذين يستخدمون الحسابات الوهمية لأغراض مختلفة؛ لذلك، تعمل “فيسبوك” على محاربة هذه الظاهرة بواسطة عدة طرق، ومنها.

  • التحقق من الهوية

“فيسبوك” كأغلب المنصات تطلب من بعض المستخدمين تأكيد هويتهم عن طريق إرسال صورة لهم أو نسخة من وثيقة رسمية، هذا يساعد على التأكد من أن الحساب ينتمي إلى شخص حقيقي وليس وهميا، كما تستخدم المنصة علامة التحقق الزرقاء لإبراز الحسابات التي تثبت هويتها.

  • الكشف عن الأنشطة المشبوهة

منصة “فيسبوك” تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لرصد وحجب الحسابات التي تظهر سلوكا غير طبيعي أو مخالفا لسياسات المنصة؛ مثلا، إذا كان حساب ينشر كمية كبيرة من المحتوى في فترة قصيرة، أو يتفاعل مع حسابات أخرى بشكل غير متناسق، أو يستخدم عنوان IP غير مألوف.

  • الإزالة والإفصاح

منصة “فيسبوك” تزيل بانتظام الحسابات والصفحات والمجموعات التي تثبت أنها وهمية أو مضللة أو خادعة، كما تفصح عن عدد الحسابات التي تزيلها في تقارير دورية، وفقا لموقع الإحصائيات “statista“، أزالت “فيسبوك” 1.3 مليار حساب وهمي في الربع الأخير من عام 2022.

الحسابات الوهمية
الحسابات الوهمية التي تم إزالتها من منصة “فيسبوك” – المصدر: statista
  • التثقيف والتوعية

تحاول فيسبوك أيضا رفع مستوى الوعي لدى المستخدمين حول كيفية التعرف على الحسابات الوهمية والإبلاغ عنها، كما تقدم نصائح وإرشادات لحماية المستخدمين من المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن التفاعل مع هذه الحسابات.

منصة “تويتر”

“تويتر” أيضا تعاني من مشكلة الحسابات الوهمية التي تستخدم لبث الأخبار الكاذبة أو التأثير في الرأي العام أو التسويق للمنتجات أو الخدمات بطريقة غير شرعية؛ لذلك، تعمل تويتر على مكافحة هذه الظاهرة بواسطة عدة طرق.

  • نظام التصنيف

“تويتر” تستخدم نظاما لتقييم جودة المغرّدين، والذي يعتمد على عدة عوامل مثل سلوك المستخدم والانخراط والثقة، هذا النظام يساعد على تقليل الحسابات الوهمية أو المزعجة أو المضللة، وتزيد من الحسابات الحقيقية أو المفيدة أو الموثوقة.

  • التحقق من الهوية

“تويتر” تطلب أيضا من بعض المستخدمين إثبات هويتهم عن طريق إرسال رقم هاتف أو بريد إلكتروني أو نسخة من وثيقة رسمية، هذا يساعد على التأكد من أن الحساب ينتمي إلى شخص حقيقي وليس وهميا.

  • الإزالة والإفصاح

منصة “تويتر” تزيل بانتظام الحسابات التغريدات والهاشتاغات التي تثبُت أنها وهمية أو مضللة أو خادعة، كما تفصح عن عدد الحسابات التي تزيلها في تقارير دورية، وفقا لآخر تقرير، زالت تويتر 1.5 مليار حساب وهمي في عام 2022.

منصة “إنستغرام”

منصة “إنستغرام” تستخدم بعض الخصائص والميزات للتحقق من صحة الحسابات والتعامل مع التعليقات غير المرغوب فيها، فيما يلي بعض التفاصيل عن هذه الخصائص والميزات.

  • علامة التحقق الزرقاء

هي شارة زرقاء بجانب اسم المستخدم على حسابه، وتدل على أن هذا الحساب حقيقي لشخصية عامة أو مشهورة أو علامة تجارية عالمية، تساعد هذه العلامة المستخدمين على تجنب الحسابات الوهمية أو الاحتيالية والوصول بسهولة إلى الحسابات الأصلية للشخصيات أو الشركات التي يبحثون عنها، عملية الحصول على علامة التحقق هذه ليست بالأمر الهين، حيث يجب أن يكون الحساب مطابقا لمعايير “إنستغرام”، مثل أن يكون حقيقيا وفريدا وممثلا لشخص أو كيان معروف، ويجب أيضا تقديم طلب رسمي من خلال إعدادات الحساب.

  • خاصية “About This Account”

هي خاصية تظهر معلومات عن الحساب، مثل تاريخ إنشائه والبلد والاسم والإعلانات، تساعد هذه الخاصية المستخدمين على التعرف على الحسابات التي تؤثر في آرائهم وقراراتهم، للاطلاع على هذه المعلومات، يجب الذهاب إلى صفحة الحساب والضغط على خانة “About This Account” أو “حول هذا الحساب” في قائمة الخيارات.

  • خاصية “Restric”

هي خاصية تسمح بإخفاء التعليقات غير المرغوب فيها من الحسابات المزعجة أو المزيفة، عند تقييد شخص ما، ستكون تعليقاته على منشوراتك مرئية له فقط، وستنتقل رسائله إلى قسم الطلبات دون إظهار حالة قراءتها أو نشاطك، لتفعيل هذه الخاصية، يجب اختيار خيار “Restric” أو “تقييد” من قائمة الخيارات في صفحة الحساب، أو في التعليق.

تهديد حقيقي

باختتام هذا التقرير، يمكننا الاستنتاج أن الظاهرة المتزايدة للحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي تشكل تحديا كبيرا للمجتمع الرقمي، تتراوح أهداف إنشاء الحسابات الوهمية من زيادة الشهرة والتأثير، وترويج الأجندات والمنتجات، إلى تأثير الرأي العام والهجوم والتشويش، والخداع والاحتيال.

من خلال تعزيز الوعي الرقمي، وتعاون المستخدمين والمنصات الاجتماعية، يمكننا مواجهة تحدي الحسابات الوهمية والحفاظ على سلامة المجتمع الرقمي، إن مكافحة هذه الظاهرة تعد مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونا وجهودا مشتركة من الجميع، بهدف خلق بيئة رقمية آمنة وموثوقة للجميع.

مع زيادة خطورة هذه الظاهرة، لم يبقَ الأمر مجرد تحدٍّ صعب للأفراد والشركات فحسب، بل أصبح تهديدا حقيقيا يهدد استقرار المجتمعات، ويؤثر في قواعد الديمقراطية؛ لذا، فإن المنصات الاجتماعية تتحمل مسؤولية هامة في مكافحة هذه الحسابات الوهمية وحماية مستخدميها، إنها حرب يخوضها المزودون للخدمات الرقمية للحفاظ على نزاهة منصاتهم وضمان أن تبقى أماكن آمنة للتواصل والتفاعل الاجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات