ما مستقبل التقنية المالية في الشرق الأوسط بين بشائر الإقبال وعقبات النمو؟

ما مستقبل التقنية المالية في الشرق الأوسط بين بشائر الإقبال وعقبات النمو؟
استمع إلى المقال

هل كنت تتخيل قبل عشر سنوات أن نعيش يومًا يمكنك فيه تداول أجزاء من الأسهم والعملات الافتراضية من خلال هاتفك المحمول؟ وهل تساءلت يومًا كيف سيبدو مستقبل التمويل بعد 5 سنوات من اليوم؟

تخيل معي الذهاب إلى متجر البقالة للتمتع بتجربة تسوق سلسلة، حيث تدخل، وتأخذ ما تريد، وتخرج مباشرةً وأنت أثناء كل ذلك تحت مرأى الكاميرات التي تتعرف عليك وعلى العناصر التي أخذتها وتقتطع ثمنها من بطاقتك تلقائيًا.

قد تبدو تجربة التسوق الفريدة هذه خيالًا، ولكن شركة أمازون حوّلتها في السنوات الأخيرة إلى واقع، وذلك بفضل التقدم الهائل الذي حققه العالم في السنوات العشر الماضية في سوق التقنية المالية، وما يزال هذا السوق آخذًا بالاتساع.

أما عن وضع السوق في منطقة الشرق الأوسط، فهو يشهد نموًا سريعًا مع معدل نمو سنوي مركب قدره 30%. وبحلول عام 2022، من المتوقع أن تجمع أكثر من 800 شركة تقنية مالية من القطاعات الفرعية، ومن ذلك: المدفوعات، والخدمات المصرفية المفتوحة، والتقنية التنظيمية، والإقراض الذكي، والتقنية الائتمانية، وسلسلة الكتل، وحلول الأمن السيبراني للصناعة المالية (مثل مكافحة غسيل الأموال، ومكافحة الاحتيال وسرقة الهوية وإدارة الهوية، وغيرها)، أكثر من ملياري دولار أمريكي من تمويل رأس المال الاستثماري.

وبالنظر إلى أن ما يقرب من 50% من سكان المنطقة الذي يُقدَّر عددهم بنحو 400 مليون نسمة، لا تتجاوز أعمارهم 25 عامًا، فيُعتقد أن الدفع نحو الحلول الرقمية، عبر قطاعات، مثل: المدفوعات، والخدمات المصرفية، والإقراض، سيستمر في الارتفاع.

وكانت شركة MENA Research Partners – حسبما نقل موقع Startup Scene ME – قد أصدرت تقريرًا في 9 نيسان/ أبريل الماضي يتوقع نموًا سنويًا في سوق التقنية المالية يُقدّر بنحو 125 مليون دولار حتى عام 2022 ، وهو خبر سار لدبي، التي وضعت خطة لتصبح أول مدينة لسلسلة الكتل في العالم في غضون سنوات قليلة.

وفي هذا التقرير نريد أن نسلط الضوء على قطاعات التقنية المالية التي يبدو أنها تُبشّر بتطور سريع في السنوات الخمس المقبلة.

العملات الرقمية

مصدر الصورة: Pixabay

بحسب ما نقل موقع Middle East Institute عن (مصرف التسويات الدولية)، فإن 80% من المصارف المركزية في العالم تعمل على تطوير عملتها الرقمية الخاصة بها بطريقة ما، ومن بين تلك المصارف، هناك نحو 50% مما بدأ بالفعل في المرحلة التجريبية.

وفي الشرق الأوسط، أبدت دول، مثل: الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية اهتمامًا عامًا بهذا الاتجاه. ومن خلال إنشاء العملة الرقمية الخاصة بالمصارف المركزية بوصفها وسيلة للدفع، فيمكن لهذه الدول مواكبة الاقتصاد الرقمي الآخذ في الاتساع مع الحفاظ على الرقابة التنظيمية.

ولقد سلط الارتفاع الصاروخي لعملة البيتكوين خلال عام (من 7,000 دولار في نيسان/ أبريل 2020 إلى 63,000 دولار في نيسان/ أبريل 2021) الضوء على الاهتمام المتزايد والاعتماد المؤسسي للعملات الرقمية الرئيسية.

ويتفوق الفاعلون في سوق التقنية المالية، مثل: منصة التداول الاجتماعي eToro، ومنصة تداول العملات الرقمية الدولية Binance، في هذا المجال، ولكن المصارف المركزية شهدت أيضًا تقدمًا.

وفي شهر شباط/ فبراير 2021، انضم المصرفان المركزيان لدولة الإمارات والصين إلى المرحلة الثانية من مشروع العملة الرقمية للمصارف المركزية المشترك الذي أطلقته سلطة النقد في هونغ كونغ إلى جانب مصرف تايلاند. ويعمل المشروع – المعروف باسم(جسر العملة الرقمية للمصارف المركزية المتعدد)، بوصفه نموذجًا أوليًا لتقييم جدوى تحويل الأموال عبر الحدود، وتسوية التجارة الدولية، ومعاملات سوق رأس المال.

الخدمات المصرفية كخدمة

مصدر الصورة: PxHere

بينما يستمر السباق لإطلاق عملة رقمية تديرها المصارف المركزية، تتطلع الشركات من خارج الصناعة المالية أيضًا إلى الاستفادة من الاتجاهات الرقمية. إذ يسمح التمويل المضمّن، الذي يشار إليه أحيانًا باسم (الخدمات المصرفية كخدمة) BaaS للشركات خارج الصناعة المالية بتقديم قيمة إضافية لعملائها من خلال الخدمات المصرفية الرقمية.

وبحسب بحث أجرته FinTech TV، فمن المتوقع أن ينمو قطاع التمويل المضمن حتى خمسة أضعاف بحلول عام 2025، إذ سيرتفع من التقييم الحالي البالغ 22.5 مليار دولار إلى أكثر من 250 مليار دولار. وباستخدام التمويل المضمّن، يمكن للشركة التي لا تمتلك ترخيصًا مصرفيًا دمج منتجات، مثل: الحسابات الجارية، والقروض الصغيرة للعملاء، وحلول التحقق من الهوية مباشرةً في أعمالها مع الاعتماد على الأذونات التنظيمية لمؤسسة مالية أخرى.

وتستفيد الشركات بالفعل من منصات BaaS لإنشاء اتصالات أعمق مع مستخدميها وبناء الولاء للعلامة التجارية. وأحد الأمثلة على ذلك هو بطاقات الخصم ذات الملصقات البيضاء، التي تزيد من عدد نقاط الاتصال بين المستهلك والعلامة التجارية المفضلة لديهم مع توفير رؤى أكبر بشأن عادات الإنفاق لدى المستهلك.

وقبل النمو الهائل لسوق التقنية المالية في الشرق الأوسط، كان السعي للحصول على الموافقات التنظيمية، وبناء البنية التحتية المناسبة لتقنية المعلومات لتقديم الخدمات المالية مكلفًا للغاية. وبمعدل متزايد، تستفيد الشركات من علاقاتها الحالية مع العملاء لتقديم هذه الخدمات بجزء يسير من التكلفة.

وبينما يستمر التمويل المضمّن واتجاهات التقنية المالية الأخرى في النمو، فمن المهم الإشارة إلى أن المصارف التقليدية وُجدت لتبقى. ويعتمد التمويل المضمّن على البنية التحتية الحالية لتراخيص المصارف.

وبالإضافة إلى ذلك، تستفيد هذه المصارف من التمويل المضمّن بسبب البيانات المجمعة التي تجمعها، مما يجعل الإقراض وكتابة التأمين أكثر كفاءة. وفي حين أنه لن يتم استبدالهم بالكامل، فمن المتوقع أن نشهد ارتفاعًا في مقاربات (المحمول أولًا) في التطبيقات المصرفية بالإضافة إلى التمويل اللامركزي. ويقود هذا الطلب على حلول الأجهزة المحمولة معدلات الشمول المالي المنخفضة في جميع أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال، من غير الممكن لنحو 43% من السكان البالغين في العالم العربي الوصول إلى الحسابات المصرفية.

تحديات النمو

مصدر الصورة: BW Businessworld

حتى مع كل هذه التطورات، لا يزال النظام البيئي للتقنية المالية في الشرق الأوسط يواجه عقبات تحد من نموه. ففي حين أن النظام البيئي يتطور بسرعة من حيث الحلول التي تركز على التقنية، فإنه يحتاج إلى تمويل إضافي من الخارج لتعزيز تأثيره.

وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال هناك سوى عدد قليل من الشركات الإستراتيجية، مع أن العديد من المصارف في الشرق الأوسط تنخرط في سوق التقنية المالية من خلال مشاريع استكشافية ومناقشات مكثفة.

ولتمكين النظام البيئي للتقنية المالية في الشرق الأوسط من الوصول إلى إمكاناته الكاملة، يرى الخبراء أننا نحتاج إلى أن نشهد تكاملًا متزايدًا للتقنيات المالية في الاستراتيجيات المصرفية. ويمكن للمؤسسات المالية تلبية توقعات العملاء للحلول الرقمية أولًا من خلال إنشاء شراكات طويلة الأمد مع شركات التقنية المالية وتحديد عروض القيمة بشكل مشترك التي لها تأثير ملموس على تجربة العملاء.

وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات والهيئات التنظيمية إلى متابعة التنسيق التنظيمي على المستوى الوطني، وذلك بهدف بناء تنظيم منسق عبر العديد من دول الشرق الأوسط.

الخاتمة

كما هو حال معظم التقنيات الواردة إلى منطقتنا، قد تأخذ التقنية المالية وقتها للانتشار بعد التغلب على التحديات والعقبات، وقد تجد نفسك في يوم – نأمل ألا يكون بعيدًا – وأنت تدخل متجر البقالة الذي بجانب بيتك، وتأخذ ما تريد، وتخرج مباشرةً بعد أن يتم اقتطاع ثمنها من بطاقتك تلقائيًا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات