استمع إلى المقال

شبكة الإنترنت تمتلك اليوم مكانة كبيرة في حياة الكثير من الناس، فهي أداة قوية تمكّنهم من الوصول إلى الكثير من المعلومات بسهولة وأكثر سرعة، والتواصل مع الآخرين من حول العالم. ورغم ذلك، تُعدّ عملية الوصول والتواصل للمستخدمين غير مرغوبة ومصدر قلق بالنسبة لبعض الأنظمة في العالم، فهناك بعض الحكومات تقوم بفرض قيود على استخدام الإنترنت من قِبل مواطنيها.

هذه القيود الحكومية تأتي في إطار تبعية الإنترنت لقوانين وأنظمة محددة في هذه الدول، مما يجعل تصفّح الإنترنت يتم تحت ضغط الرقابة والرصد الحكومي المتشدد، وتأتي هذه القيود المفروضة في أشكال مختلفة، مثل حجب مواقع الإنترنت، والتحقق من هوية المستخدمين، ورصد نشاطهم على الشبكة، ومنع استخدام بعض التطبيقات والخدمات.

الحجج التي يتم من خلالها فرض هذه القيود لها مسميات عديدة، فمنها ما يتعلق بالأمن القومي أو منع الإرهاب أو الجريمة الإلكترونية، وأخرى متعلّقة بحماية الأطفال من المحتوى الضار أو نشر الأخبار المضللة، ناهيك عن تلك التي تتعلّق بالتحكم في الرأي العام ومنع التحركات السياسية غير المرغوب فيها بالنسبة للأنظمة.

من خلال التقرير التالي، سنسلط الضوء على بعض الأمثلة عن الحكومات التي فرضت هذه القيود دون مراعاة حقوق الأفراد في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، وحقوق الإنسان والحريات المدنية في العالم الرقمي، وما هي الطرق والسُّبل التي يتّبعها المواطنون للاحتيال على هذه القيود الحكومية المفروضة عليهم عنوة.

قد يهمك: الاحتجاجات تتسع.. سياسة “صفر كوفيد” تقصم ظهر الصين اقتصادياً وتكنولوجيا؟

الصين

وفقا لمركز معلومات شبكة الإنترنت الصيني (CNNIC) التابع لحكومة بكين، في شهر كانون الأول/ديسمبر 2021 كان هناك 1.03 مليار مستخدم للإنترنت في الصين، يمثلون 73 بالمئة من السكان، وهي أكثر بمقدار 42.96 مليونا من عام 2020، ومن بين هؤلاء المستخدمين كان هناك 99,7 بالمئة مستخدم يصل إلى الإنترنت عبر أجهزة الهاتف المحمول.

حكومة بكين تفرض العديد من القيود على استخدام الإنترنت على مواطنيها، وتسعى جاهدة للسيطرة على محتوى الإنترنت وتشكيله ليتناسب مع مصالح الدولة والحزب “الشيوعي” الحاكم، وذلك من خلال، حجب بعض المواقع، والصرامة في مراقبة الإنترنت، وتشديد القوانين والعقوبات والرقابة على المحتوى، وهناك الكثير من الأمثلة، سنذكر بعضها التي تقع ضمن فترة زمنية ما بين بداية شهر حزيران/يونيو من عام 2021 إلى نهاية شهر أيار/مايو لعام 2022.

سلطات بكين فرضت رقابة على الانتقادات عبر الإنترنت لإجراءات الإغلاق الصارمة المصاحب لإجراءات السلامة التي ادعتها بكين لمحاربتها فيروس “كوفيد-19″، وبالأخص سياسة “صفر كوفيد” التي انتهجها الحزب “الشيوعي” الحاكم لفرض مزيد من القيود على مواطنيه، وضايق مستخدمي الإنترنت لنشرهم المعلومات المتعلقة بالفيروس، واستمرت في احتجاز الصحفيين والنشطاء بسبب تغطيتهم للوباء.

بعد أن نشرت نجمة التنس الصينية، بنغ شواي، على منصة التواصل الاجتماعي “Weibo”، أخبار تتعلق بتعرضها لاعتداء جنسي وبأنها أجبرت على إقامة علاقة جنسية مع نائب رئيس الوزراء السابق “Zhang Gaoli” في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أزال المراقبون منشوراتها، وألغوا أي مناقشة متعلقة بهذه الادعاءات، إلى جانب قمع أوسع لمحتوى الإنترنت المتعلق بحقوق المرأة.

لدى استضافة بكين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في شباط/فبراير، حشدت السلطات المعلقين الرياضيين، لتوحيد خطاباتهم لتفضيل الروايات المؤيدة للحكومة، وتلاعبت بالمحتوى عبر الإنترنت لفرض رقابة على الانتقادات.

السلطات الصينية احتجزت صحفيين بارزين ومحامين وحقوقيين ونشطاء وأقليات دينية وعرقية بسبب أنشطتهم على الإنترنت، وحكمت على أحد ممارسي الرياضة الروحية “الفالون غونغ” بذريعة تزويده بمحتوى مناهض للحكومة ونشره على الإنترنت على موقع إلكتروني تابع لـ “الفالون غونغ”.

قانون حماية المعلومات الشخصية وقانون أمن البيانات دخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021، حيث ينظم هذا القانون بشكل أكثر صرامة طرق جمع شركات التكنولوجيا الصينية لبيانات المستخدم وتخزينها ومشاركتها، وبينما تفرض القوانين ضمانات للخصوصية على القطاع الخاص، فإنها تستثني الوكالات الحكومية والوكالات التابعة للحزب “الشيوعي” الحاكم، وفي بعض الأحيان تفرض على شركات تخزين البيانات محليا.

إيران

إيران تفرض عديدا من القيود الحكومية على استخدام الإنترنت داخل حدودها، على الرغم من أن الإنترنت في إيران يُعتبر وسيلة تواصل هامة وشائعة في المجتمع الإيراني، بحسب تقرير لشركة “datareportal” المتخصصة في جمع البيانات حول استخدام الإنترنت، أن في شهر كانون الأول/ يناير من عام 2022، بلغ انتشار الإنترنت حوالي 84.1 بالمئة.

 تتمثل هذه القيود التي فرضتها الحكومة الإيرانية في العديد من السياسات والتشريعات التي تسيطر على الإنترنت وتضع قيودا على حرية الوصول إلى المواقع والتطبيقات.

الحكومة الإيرانية تفرض أيضا مراقبة صارمة على الإنترنت، حيث يتم تتبع ومراقبة نشاط المستخدمين على الشبكة بشكل دائم. وتستخدم الحكومة أدوات التصفية والتفتيش الخاصة بها لمنع المحتوى الذي يُعتبر غير مرغوب فيه، والتحقق من التزام المستخدمين بالقوانين والتشريعات الخاصة بالإنترنت في إيران.

القيود الأخرى التي تفرضها إيران على مستخدمي الإنترنت، تشمل منع استخدام تطبيقات الاتصال الصوتي والمرئي الشائعة مثل “سكايب” و”واتساب” و”تيليجرام”. كما يتم تقييد استخدام خدمات “VPN”، والتي تستخدم بشكل شائع للوصول إلى المواقع المحجوبة في إيران.

من أحدث سيناريوهات الحظر والقيود الحكومية في إيران، كان قبل بضعة أشهر، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في البلاد جراء مقتل الفتاة مهسا أميني على أيدي الشرطة الإيرانية، وقامت الحكومة في الحال بحظر الكثير من منصات التواصل الاجتماعي، التي كان يستخدمها المتظاهرون لتنظيم الاحتجاجات، كما أمرت السلطات الإيرانية بإغلاق عدة مواقع محلية للإنترنت خلال فترة الاحتجاجات.

وخلال ذروة الاحتجاجات، تم تقديم مشروع قانون حماية المستخدم إلى البرلمان، وفي حال إقراره، فسوف يقيّد القانون المحتوى عبر الإنترنت ويشدد اللوائح الخاصة بالمنصات الأجنبية والمحلية.

على الرغم من عدم صدور أحكام مطوّلة بالسجن خلال فترة الاحتجاجات، تم القبض على العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؛ بسبب محتواهم على الإنترنت، بما في ذلك المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان والصحفيين.

في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2021، أزالت شركة “ميتا” شبكة كبيرة من الحسابات المزيفة المرتبطة بـ “الحرس الثوري” الإسلامي.

تركيا

في أوائل عام 2022، بلغت نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت في “تركيا” 82 بالمئة، وبلغ معدل انتشار الهاتف المحمول 91.4 بالمئة، بحسب موقع شركة “datareportal” المتخصصة في جميع البيانات حول استخدام الإنترنت.

قبل بضعة أيام، وعلى إثر انتشار الكثير من الانتقادات للحكومة التركية، جراء الغضب الشعبي؛ بسبب رد فعل الحكومة على الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا، قامت السلطات التركية بحجب منصة “تويتر”، حيث كانت المنصة تُستخدم كقناة اتصال رئيسية لتنسيق جهود الإغاثة بعد الزلزال المدمر.

ألب توكر، مدير منظمة “Net Blocks“، غير الحكومية، وهي مجموعة تتعقب انقطاع الإنترنت، أوضح أن حركة البيانات تشير، إلى أنه من المحتمل أن يكون الحجب نتيجة لأمر حكومي، ولفت إلى أن بيانات الشبكة تشير إلى أن الحجب يتم باستخدام برامج مثبتة من قبل مزودي خدمات الاتصالات التي يمكن أن تمنع مواقع وخدمات معينة من التحميل.

في عام 2022، وتحديدا في شهر تموز/يوليو، قامت الحكومة التركية، بحجب موقعين تابعين لوسيلتين إعلاميتين دوليتين، وهما “DW” الألمانية و “صوت أميركيا”، وذلك بعد مزاعم بعدم التقدم بطلب للحصول على تراخيص من الحكومة.

في عام 2020، دخل قانون وسائل التواصل الاجتماعي حيز التنفيذ، مما كان له تأثير كبير على وسائل الإعلام المستقلة، حيث استمر استهداف المنافذ الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي بأوامر إزالة المحتوى، وهذا ما أدى إلى انخفاض تنوع المحتوى على الإنترنت المتاح لمستخدمي الإنترنت الأتراك.

في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، تم اقتراح مشروع قانون جديد حول “التضليل الإعلامي” على البرلمان التركي، يتضمن مشروع القانون أحكاما بالسجن لمستخدمي الإنترنت الذين ينشرون معلومات كاذبة بشكل متعمد.

هناك الكثير من الأحكام القضائية التي صُدرت بحق مستخدمي الإنترنت في تركيا، على سبيل المثال حُكم على صحفي يغطي قضايا كردية بالسجن مدى الحياة في بداية العام الماضي، بسبب فيديو تم تصويره لاشتباكات حصلت قبل 7 سنوات بين متظاهرين كرد وآليات القمع العسكرية التركية، كما حُكم على كنعان كفتانجي أوغلو، رئيسة حزب الشعب الجمهوري المعارض في إسطنبول، بالسجن لمدة 4 سنوات و 11 شهرا؛ بسبب محتوى نُشر على حسابها على منصة “تويتر”، قيل إنها إهانة للرئيس رجب طيب أردوغان والدولة التركية.

تقييد الحريات

قد يهمك: ما مصير القطاع الخاص في الصين بعد تقييد أعمال شركة “علي بابا”؟

طرق كسر القيود الحكومية

كل هذه الضغوطات المفروضة من قبل الحكومات على حرية مواطنيها في تصفح الإنترنت، وإبداء الآراء على منصات التواصل الاجتماعي بشكل حر، دفع المواطنين للبحث عن حلول للتملص من مراقبة الحكومات وأجهزتها الأمنية لهم على نحو متواصل، أو لتصفح المواقع والمنصات التي تم حجبها من قبل مزودات خدمة الإنترنت في هذه البلدان.

هناك عدة طرق يمكن استخدامها لتجاوز قيود الإنترنت التي تفرضها حكومات مثل الصين وإيران و تركيا وغيرها على المستخدمين، ومن بين هذه الطرق.

خدمات “VPN”

خدمات “VPN” تُعد من الطرق الشائعة والفعالة لتجاوز قيود الإنترنت، حيث تقوم هذه الخدمات بتشفير حركة المرور على الإنترنت وتوجيهها إلى سيرفرات خادم خاص، مما يمكّن المستخدمين من الوصول إلى المحتوى والمواقع المحظورة.

بروتوكولات تجاوز الحجب أو النقل الآمن

يمكن استخدام بروتوكولات النقل الآمن مثل بروتوكول “SSH” أو بروتوكول “Shadowsocks” للوصول إلى المحتوى المحظور، حيث تعمل هذه البروتوكولات على تشفير حركة المرور وتوجيهها إلى سيرفرات خاصة.

متصفحات الويب المخفية

يمكن استخدام متصفحات الويب المخفية مثل “Tor” لتصفح المحتوى المحظور، كما بالإمكان استخدام ميزة التصفح الخفي في بعض المتصفحات مثل متصفح “كروم” من “جوجل” حيث تعمل هذه المتصفحات على تشفير حركة المرور وتوجيهها عبر عدة سيرفرات ومن ثم الوصول إلى المحتوى.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه الطرق تُعتبر غير شرعية، وتخضع للمراقبة في بعض الدول، وبالأخص تلك الدول التي تقوم بتقييد وحظر حركة المرور على الإنترنت.

خدمة VPN

مستقبل حرية الإنترنت

الحرية في استخدام الإنترنت تُعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان، ويجب أن تكون متاحة للجميع دون أي تمييز، ولكن هذه المفهوم لا يمكن أن يتم تطبيقه، وخصوصا في تلك الدول التي تديرها حكومات قمعية تفرض قيودا على الإنترنت بهدف مراقبة ومنع انتشار المعارضة والنقد للنظام الحاكم، ودائما هناك المزيد من الإجراءات والذرائع التي تبتكرها هذه الحكومات، لتقييد حرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات.

على المجتمع الدولي أن يعمل على الضغط على الحكومات القمعية لتوفير إنترنت مفتوح وحر لمواطنيها، وضمان عدم فرض أي قيود غير مبررة على استخدام الإنترنت، ويجب كذلك تقديم الدعم والمساعدة للمنظمات المدنية والمدافعين عن حقوق الإنسان في هذه الدول لمراقبة وتوثيق الممارسات الانتهاكية والعمل على إنهائها.

في النهاية، يجب أن نفهم أن الإنترنت هو وسيلة حيوية للتواصل وتبادل المعلومات في العالم الحديث، ولهذا السبب، لا بد أن تكون حرية الإنترنت شاملة للجميع، بعيدة عن أي نوع من القيود الحكومية وأي قوانين تمنع الإنسان من أبسط حقوقه في الحصول على المعرفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.