“أنونيموس السودان”.. هل تستخدم موسكو “قضايا الإسلام” غطاء لهجماتها السيبرانية؟

“أنونيموس السودان”.. هل تستخدم موسكو “قضايا الإسلام” غطاء لهجماتها السيبرانية؟
استمع إلى المقال

الهجمات السيبرانية أصبحت إحدى أقوى الأسلحة المستخدمة في حروب القرن العشرين، وقد رأينا استخدام روسيا المكثف لها في الغزو على أوكرانيا، كما أنها تستخدم في إرسال رسائل المعارضة والاحتجاج مثل المظاهرات أو تجمعات النشطاء في الأماكن المختلفة. 

 “أنونيموس” هي واحدة من أشهر مجموعات المخترقين حول العالم، إذ كان لهم الكثير من العمليات المختلفة، وفي الآونة الأخيرة ظهرت مجموعة جديدة تدعي انتمائها إلى مجموعة “أنونيموس” العالمية تحت اسم “أنونيموس السودان”، ولكن هل تنتمي هذه المجموعة حقا إلى السودان، أم أنها مجرد غطاء للعمليات الروسية. 

مجموعة “أنونيموس السودان” ظهرت على الساحة بعد مجموعة من الهجمات السيبرانية على أهداف متنوعة حول العالم، ومن أبرز هذه الأهداف كان مستشفى في السويد، إذ نسبت المجموعة الهجوم لها وقالت بأنه رد على عملية حرق القرآن الكريم من قبل النائب السويدي مؤخرا، وادّعت المجموعة أن جميع عملياتها هي للدفاع عن الإسلام وحمايته. 

مجموعتان تحت الاسم ذاته 

البحث عن هوية “أنونيموس السودان” الحقيقية شغلت بال الكثير من الشركات الأمنية المرموقة مثل  “Trustwave SpiderLabs” ووحدة تحليل المخاطر في “Truesec“، لذلك بدأوا في تحقيقات موسعة لإكتشاف حقيقة هذه المجموعات. 

التقرير الذي نشرته “Truesec” يشير بوضوح إلى وجود مجموعتين تحملان الإسم ذاته رغم اختلاف طريقة كتابته، وهذا الاختلاف هو الذي أثار شكوك الشركة ودفعها للبحث عن هذا الأمر بشكل أعمق، وحتى ندرك أهمية طريقة الكتابة يجب أن نعرف أولا طريقة التسمية التي تعتمدها “أنونيموس” العالمية في مشاريعها المختلفة. 

قد يهمك أيضا: أسباب إخفاق هجمات روسيا السيبرانية على أوكرانيا

طريقة “أنونيموس” في التسمية تعتمد على وضع اسم الدولة أو المكان المستهدف من الهجوم بعد كلمة “عملية” ولا يصبح المكان جزءا من إسم المجموعة، إذ تظل المجموعة تحمل اسم “أنونيموس”، لذلك عندما شنّت المجموعة هجوما على الحكومة السودانية، فإن العملية أطلق عليها “#OPSudan”، وهي العملية التي نُفّذت في 2019 ضمن المظاهرات الاحتجاجية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، ولم يقتصر هذا النشاط على الهجمات السيبرانية فقط، بل امتد إلى المظاهرات والاحتجاجات في الشارع. 

أحد المشاركين في هذه العملية كان يعرف باسم “@GhostSec”، وقد ظهر اسمه بشكل مستمر ضمن العمليات السيبرانية في السودان إلى جانب الكثير من العمليات الأخرى التابعة لمجموعة “أنونيموس” العالمية، لذلك يمتلك الكثير من المتابعين عبر قنوات “أنونيموس” المختلفة، وقد ظهر اسمه أيضا في مجموعة من العمليات المناهضة للغزو الروسي وعمليات أخرى تدعم الجهود الأوكرانية، وهذا هو حال غالبية المشاركين في مجموعة “أنونيموس” العالمية، ورغم وجود ما يدعى “أنونيموس روسيا”، إلا أن هذه المجموعة لا علاقة لها بالمجموعة العالمية، وبدلا من ذلك تبع مجموعة مخترقين روسية مدعومة من الحكومة تدعى “Killnet”، وهي مجموعة لم يثبت وجود أي ارتباط بينها وبين “أنونيموس”، بل يمكن القول بأنها معادية لها بشكل كبير. 

الظهور الأخير لمجموعة “أنونيموس السودان” جاء بهذا الاسم تحديدا، وليس الاسم والطريقة التي تعتمد عليها المجموعة العالمية في التسمية، كما أننا لم نسجل أي ظهور للمخترق الذي يدعى “@GhostSec” ضمن العمليات التي نفذتها هذه المجموعة، والأهم من ذلك أنها حصلت على دعم معنوي من المجموعة الروسية “Killnet”، وهي تستخدم “تيليغرام” فقط للتواصل مثلما تقوم به المجموعات الروسية للمخترقين، كما أن حساب المجموعة في “تيليغرام” يظهر موقعها في روسيا وليس السودان. 

الاختلاف الواضح بين المجموعتين في التصرفات وطريقة التسمية وحتى المشاركين في الهجمات يؤكد على وجود مجموعتين مختلفتين تماما تحملان الاسم ذاته، أو على الأقل ارتباط مجموعة “أنونيموس السودان” بالمجموعة الروسية “Killnet” بدلا من “أنونيموس” العالمية. 

التقرير الذي نشره الفريق البحثي في “Trustwave SpiderLabs” يؤكد على ارتباط المجموعة بالأنشطة الروسية السيبرانية، وأنها غطاء لهجمات سيبرانية موالية لروسيا، إذ يشير التقرير إلى أن أغلب المعلومات المتاحة عن المجموعة قادمة من حسابها في “تيليغرام”، لذلك بحث الفريق في الحساب بشكل مكثف وعادوا إلى لحظة تأسيسه في 18 كانون الثاني/يناير 2023. 

البحث في حساب المجموعة أظهر مجموعة من المنشورات التي كتبت في اللغة الروسية فقط، ثم بدأت المجموعة تستخدم اللغة الروسية والإنجليزية معا بشكل يشبه إعلانات “Killnet” ورسائلها، وبعد ذلك تحولت المجموعة إلى استخدام ترجمة “جوجل” الآلية لنشر الرسائل، وهو ما أظهر مجموعة كبير من الأخطاء الإملائية واللغوية في بيانات المجموعة، وعندما حاولت المجموعة تفادي هذه الأخطاء قامت بمشاركة أغاني سودانية لا علاقة لها بنشاطها. 

هجمات ممنهجة ضد الموالين لأوكرانيا 

المجموعة تدّعي أنها توجه هجماتها ضد الدول المعادية للإسلام، ولكن بشكل مفاجئ، فإن جميع هذه الدول موالية أيضا لأوكرانيا وتقدم لها الدعم في أشكال مختلفة، إذ أن الهجوم الأول الذي قامت به المجموعة كان ضد السويد التي قدمت دعم عسكري يقدر بملايين الدولارات إلى أوكرانيا، ثم انتقلت المجموعة بعد ذلك إلى الهجوم على الحكومة الهولندية التي قدمت مساعدات مالية أيضا إلى أوكرانيا، كما أعلنت المجموعة نيّتها في الهجوم على فرنسا المعروفة بدعمها الواضح والكبير للمقاومة الأوكرانية. 

قد يهمك أيضا: هل يمكن اعتبار الهجمات السيبرانية الروسية جرائم حرب؟

هجمات “أنونيموس السودان” لم تقتصر على الهجوم بمفردها ضد هذه الدول، بل أعلنت أنها تعاونت مع “Killnet” الروسية في الهجوم على خدمة المخابرات الفيدرالية الألمانية المعروفة بدعمها أيضا للحكومة الأوكرانية، ولم تتوقف الهجمات مع “Killnet” هنا، إذ امتدت إلى “PayPal” و”Radware” وغيرها من الشركات المعروف عنها مناهضتها لروسيا. 

الإسلام كغطاء لأعمال أكثر قبحا 

أسلوب موسكو في الاعتماد على الهجمات السيبرانية الخفيّة لم يختلف منذ فترة طويلة، إذ تقوم الدولة بالتمويل والسماح لمجموعات المخترقين وقراصنة الإنترنت بالعمل دون رقابة على أنشطتهم على الإطلاق، وهو ما جعلت روسيا أرضا خصبة وملاذا آمنا لكل مجرمي الفضاء السيبراني حول العالم، ولا تعد تصرفات “Killnet” أو مجموعة “أنونيموس السودان” بعيدة عنهم. 

المشكلة الحقيقة تبدأ عند اتخاذ القضايا الإسلامية كغطاء من أجل تبرير هجمات لها أهداف أخرى، إذ يشوّه هذا الأمر صورة الإسلام والمسلمين حول العالم ويفقد مجهوداتهم الاعتراضية أهميتها، لأنها في النهاية قد تعد جهود موجهة من جهات خفيّة. 

موسكو تحاول أن تؤكد للعالم وجود موالين لها حول العالم من الدول الأخرى، وأنها ليست وحيدة في عدائها ضد دول العالم الغربي، وهو الأمر الذي سيعود بالضرر على الدول التي انتحلت “Killnet” هويتها. 

ولا يجب أن ننسى أن انتحال الشخصية هو جريمة أخرى يعاقب عليها القانون، إذ أن مجموعة “Killnet” انتحلت شخصية وهوية مجموعة سودانية تسعى حقا لمساعدة أبناء بلادها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات