جائحة تسريح عمال شركات التكنولوجيا حول العالم.. تعثرات أم طوق نجاة؟

جائحة تسريح عمال شركات التكنولوجيا حول العالم.. تعثرات أم طوق نجاة؟
استمع إلى المقال

حمّى عمليات التسريح الجماعية تتصدر عناوين الأخبار مجددا، لكن الشيء اللافت هذه المرة، هو تركّزها في قطاع واحد فقط، وهو القطاع الأكثر ازدهارا “قطاع التكنولوجيا”.

أرقام هذه التسريحات بدأت في الارتفاع بشكل مجنون خلال العام الماضي تحديدا، إذ بلغت عمليات تسريح العمال 97171 عمليةفي عام 2022، وفقا لشركة استشارات الموارد البشرية “Challenger, Gray & Christmas” في قطاع التكنولوجيا فقط، وبزيادة قدرها 649 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

حيث بلغت حصيلة عمليات التسريح في شهر تشرين الثاني/نوفمبر ثلاثة أضعاف شهر تشرين الأول/أكتوبر وفقا لموقع “Layoffs.fyi“، الذي يتتبع عمليات التسريح في صناعة التكنولوجيا، وخلال عام 2022، تم تسريح المزيد من العاملين في مجال التكنولوجيا مقارنة بعامي 2020 و2021 مجتمعين.

ظاهرة التسريح الغريبة

الكثير من المحللين استغربوا ظاهرة عمليات التسريح في قطاع التكنولوجيا ذي البينة القوية ووفقا لبيانات مكتب إحصاءات العمل، أن معدل البطالة يتراوح بين 3.5 بالمئة و3.7 بالمئة منذ نيسان/أبريل 2022، وتُعد الأعلى منذ أكثر من 20 عاما، وفقا لبنك “الاحتياطي الفيدرالي” في سانت لويس.

قد يهمك: التسريح .. شبح يهدد موظفي التكنولوجيا

“ألفابت” (جوجل)

قبل ثلاثة أيام أعلنت شركة “ألفابت”، الشركة الأم لشركة “جوجل”، بأنها بصدد خفض 12 ألف وظيفة، أي ما يزيد على 6 بالمئة من قوتها العاملة حول العالم، وأصدرت الشركة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي تقرير الأرباح والإيرادات الخاص بالربع الثالث من العام الماضي، مع تراجع الأرباح بنسبة 27 بالمئة عن السنة السابقة.

سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي للشركة، وضح عبر رسالة بريد إلكتروني تم إرسالها إلى موظفي الشركة يوم الجمعة الماضي، أن الشركة ستبدأ في تسريح العمال في الولايات المتحدة في الحال، وقال إن العملية في دول أخرى ستستغرق وقتا أطول بسبب القوانين والممارسات المحلية.

بيتشاي أضاف أيضا، أن الشركة ستوفر للموظفين المقيمين في الولايات المتحدة 16 أسبوعا من أجر إنهاء الخدمة، بالإضافة إلى أسبوعين عن كل عام إضافي عملوا فيه.

“ألفابت” نمت قوتها العاملة بأكثر من 500 ألف موظف على مدار العامين الماضيين حيث أدى الطلب المتزايد على خدماتها خلال الجائحة إلى زيادة الأرباح، لكن في الأرباع الأخيرة، تباطأت أعمال الإعلانات الرقمية الأساسية للشركة حيث تسبب الانكماش الاقتصادي ومخاوف الركود في تراجع المعلنين عن إنفاقهم، بحسب وكالة “CNN”.

“مايكروسوفت”

“مايكروسوفت” ستتخلى عن 10 آلاف موظف حتى 31 آذار/مارس حيث تستعد الشركة لتباطؤ نمو الإيرادات، وأعلن الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا في مذكرة للموظفين تم نشرها على موقع الشركة في 18 الشهر الجاري، بأنه واثق من أن “مايكروسوفت” ستخرج من هذا أقوى وأكثر تنافسية”. كتب أن بعض الموظفين سوف يكتشفون هذا الأسبوع ما إذا كانوا سيفقدون وظائفهم.

في تموز/يوليو، قالت الشركة إنها ستقلص أقل من 1 بالمئة من عدد موظفيها، وفي تشرين الأول/أكتوبر أكدت جولة إضافية من تخفيضات الوظائف التي قيل إنها أثرت على أقل من ألف عامل على أقل تقدير.

الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا، أوضح أيضا أن هذه الخطوة ستقلل من عدد موظفي “مايكروسوفت” بأقل من 5 بالمئة، وسيكتشف بعض الموظفين هذا الأسبوع ما إذا كانوا سيفقدون وظائفهم، والموظفين في الولايات المتحدة المؤهلين للحصول على مزايا سيحصلون على تعويضات إنهاء الخدمة أعلى من السوق وستة أشهر من الرعاية الصحية واستحقاق الأسهم، إلى جانب إشعار لمدة 60 يوما قبل انتهاء عملهم.

“أمازون”

في 4 كانون الثاني/يناير الجاري، قال الرئيس التنفيذي آندي جاسي إن الشركة تخطط لتسريح أكثر من 18 ألف موظف، في قسم الموارد البشرية والمتاجر بشكل رئيسي، وجاء ذلك بعد أن قالت “أمازون” في تشرين الثاني/نوفمبر بأنها تتطلع إلى خفض عدد الموظفين، بما في ذلك ضمن أجهزتها ومنظمات التوظيف.

التخفيضات تبلغ 6 بالمئة من القوى العاملة في “أمازون” التي تضم ما يقرب من 300 ألف شخص، وتمثل منعطفا سريعا لمتاجر التجزئة التي ضاعفت مؤخرا سقف رواتبها الأساسية للتنافس بقوة أكبر على المواهب، وفقا لوكالة “رويترز”.

“ميتا”

في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، صرحت شركة “ميتا” بأنها بصدد إلغاء أكثر من 11 ألف وظيفة، أي ما يعادل 13 بالمئة من قوتها العاملة، وتأتي عمليات التسريح الجماعية هذه للعمال، من بين الأكبر في عام 2022 والأولى في تاريخ “ميتا” الممتد 18 عاما.

التوجيهات المخيبة للآمال للربع الرابع من عام 2022 أدت إلى القضاء على ربع القيمة السوقية للشركة، ودفعت السهم إلى أدنى مستوى له منذ عام 2016، بالإضافة إلى التباطؤ الواسع في الإنفاق على الإعلانات عبر الإنترنت والتحديات من تغييرات نظام التشغيل “iOS” من قبل شركة “أبل”.

“تويتر”

حسب مجلة “فورتشن” الصادرة من أميركا، أن بعد وقت قصير من عملية شراء “تويتر” البالغة 44 مليار دولار في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، وتحديدا في 4 تشرين الثاني/نوفمبر قام المالك الجديد إيلون ماسك، بتسريح حوالي 3700 موظف من المنصة، أي ما عادل آنذاك نصف طاقم العمل، بالإضافة إلى استقالة عدد كبير من الموظفين بعد أن غيّر ماسك بعض السياسات المتعلقة بالعمل من المنزل، وكتب أنه يتوقع من جميع الموظفين الالتزام ببيئة عمل أكثر صرامة.

قد يهمك: تويتر يضمحل بالهجرة إلى منصات أخرى

“Crypto.com”

شركة تبادل العملات الرقمية “Crypto.com”، في 13 كانون الأول/ يناير الجاري، أعلنت عن خطط لتسريح 20 بالمئة من قوتها، وكان لدى الشركة 2450 موظفا، مما يشير إلى تسريح حوالي 490 موظفا.

الرئيس التنفيذي كريس مارساليك قال حينها في منشور بالمدونة إن بورصة العملات المشفرة نمت بشكل طموح، لكنها لم تكن قادرة على الصمود في وجه انهيار إمبراطورية التشفير “FTX”.

ما تم ذكره حتى الآن ليس سوى بعض الأسماء الكبيرة في قطاع التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، تم تسريح 2000 موظف من شركة تبادل العملات المشفرة “Coinbase” و 7 آلاف موظف من شركة “Salesforce” الأميركية للبرمجيات السحابية، وألف موظف من شركة التجارة الإلكترونية “Shopify” و400 موظف من منصة “نتفليكس” وغيرهم الكثير.

كل هذه التسريحات شارك في خلق حالة من الرعب والاستغراب لدى معظم موظفي شركات التكنولوجيا حول العالم، وهذا ما دفع الكثيرين للبحث عن شركات يُعد الموظف فيها من أهم أصولها، وأن الشركة تتصرف باستمرار مع تلك القيمة المتبناة في أصعب الأوقات.

أسباب التسريح الجماعي

سكوت كيسلر، الخبير في مجال شركات التكنولوجيا، قال “الشركات في قطاعات التكنولوجيا اتخذت قرارات استراتيجية غير صائبة في الأوقات الخاطئة”

وفقا لتقرير لوكالة “CNN” الأميركية، بأن هناك العديد من العوامل ساعدت على الإضرار بقطاع التكنولوجيا، ومنها، ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والمخاوف من الركود، كل هذه الأمور سارعت في عملية تراجع الإعلانات وإنفاق المستهلكين ما أثّر على أرباح شركات التكنولوجيا وأسعار الأسهم.

  • عدم الثقة الاقتصادي

إن عمليات تسريح العمال هي استراتيجية طوارئ للشركة عندما يتضاءل الطلب على منتجاتها وخدماتها.

في الولايات المتحدة ارتفعت حدة النقاشات، ما إذا كان هناك حقا حالة ركود بعد أن أظهرت بيانات من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي في تموز/يوليو 2022 انكماش الاقتصاد للربع الثاني على التوالي.

“صندوق النقد الدولي” يدعي أن الظروف الاقتصادية في حالة توازن، اعتمادا على مسار الحرب في أوكرانيا والسياسة النقدية والوباء، ومن كل ذلك نستطيع أن نستنتج أن عمليات التسريح هي طريقة الشركة للبقاء على قيد الحياة في الأوقات المضطربة.

  • انخفاض نشاط التجارة الإلكترونية

أغلب شركات التكنولوجيا تبنت العمل عبر الإنترنت، بشكل تام وعن بعد أو بشكل هجين منذ البدء بتطبيق الحجر الصحي حول العالم بسبب جائحة “كوفيد-19″، ولكن لم يكن من المنطقي أن تصبح الحياة افتراضية بالكامل، وبأنها ستدوم على هذا المنوال، لذا لدى تخفيف إجراءات الحظر طالبت بعض الشركات الموظفين بالعودة إلى مكاتبهم بدوام كامل، وخرج المستهلكون أيضا من عمليات الإغلاق، وانخفض الإنفاق عبر الإنترنت.

خلال فترة الوباء قام الكثير من الشركات بعمليات توظيف غير طبيعية، بسبب قوة الطلب على المنتجات، ولكن لدى عودة العالم إلى الوضع الطبيعي الذي كان سائدا قبل انتشار الوباء، سبب ذلك في عمليات تسريح جماعية لموظفي تلك الشركات التي لم يتناسب إنفاقها مع الإيرادات الجديدة بعد الوباء.

  • ضغوط المستثمرين

بعد ازدهار قطاع التكنولوجيا في عام 2021، أصبح أصحاب رؤوس الأموال قلقين من أن الشركات ستكون أقل ربحية هذا العام، وهذا ما دفع بعض المستثمرين في الضغط على الشركات من أجل خفض الوظائف لتقليل النفقات، وكما ذكرنا سابقا إن عملية التسريح للأسف تساعد على تقليل الإنفاق

بحسب وكالة “CNBN” بأن أحد المساهمين في شركة “ألفابت”، دعا الشركة إلى “اتخاذ إجراءات صارمة” وخفض عدد الموظفين.

في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أجرى المساهم براد جيرستن، الرئيس التنفيذي لشركة “Altimeter Capital”، مكالمات مماثلة مارك زوكربيرغ انتقد المساهم في “ميتا” وضع الشركة مستشهدا بالإحصائيات السيئة، وشدد على ضرورة استعاد قوتها عبر تقليل الموظفين، للحد من النفقات.

هل المستقبل وردي؟

للأسف، تقوم العديد من الشركات بتسريح الموظفين بشكل استباقي، حتى مع بقاء الإيرادات النهائية غير واضحة، تلعب العوامل الاقتصادية الخارجية والداخلية دورا في عمليات التسريح المستمرة للعمال، الأسباب التي ذكرناها التي تجبر شركات التكنولوجيا على تسريح العديد من الموظفين لها هدف واحد، وهو خفض التكاليف حتى لا تغرق الشركة.

بالرغم من أن الظروف الاقتصادية يمكن أن تتغير بسرعة؛ حتى لو كان رئيس تنفيذي لأقوى الشركات، قد يتلقى رسالة إنهاء خدمة عبر البريد الإلكتروني يوما ما.

هناك الكثير من النظريات التي تتكلم حول نهاية عصر التكنولوجيا الكبيرة، إلا أن ما نشهده من تطور تكنولوجي حالي يدل عكس ذلك تماما، وبالرغم من كل عمليات التسريح لا يزال مستقبل العمل مرتبطا بالتكنولوجيا التي تستمر في التطور وبشكل متسارع يوما بعد يوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.