تجربة مثيرة بجامعة ستانفورد: الذكاء الاصطناعي يزداد كفاءةً عند امتلاكه جسد

تجربة مثيرة بجامعة ستانفورد: الذكاء الاصطناعي يزداد كفاءةً عند امتلاكه جسد
استمع إلى المقال

تطورت ذكاء الكائنات الحية جنبًا إلى جنب مع مع أشكالها المادية أثناء تفاعلها مع بيئاتها. وهكذا، تنسج العناكب شبكاتٍ بأرجلها المغزلية، وتجري الفهود بسرعةٍ فائقة لاصطياد الحمير الوحشية، ولدى البشر إبهام معاكسة لبقية الأصابع لإمساك الأدوات.

أما الذكاء الاصطناعي، فهو، بطبيعة الحال، ذكي أيضًا. ولكن على عكس ذكاء الأحياء، غالبًا ما يفتقر الذكاء الاصطناعي للجسم. إذ تتم معالجة اللغة الطبيعية وأنواع التعلم الآلي الأخرى عادةً على رقائق السيليكون داخل أجهزة الكمبيوتر دون أي مظهر مادي في العالم. وبينما تتطلب “الرؤية الحاسوبية” كاميرات أو أجهزة استشعار، فإنها عادةً ما تفعل ذلك بشكل مستقل عن أي شكل مادي.

وفي هذا الصدد، تساءل فريقٌ من الباحثين في جامعة ستانفورد الأمريكية: هل يمثل التجسيد أهميةً لتطور الذكاء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن لعلماء الكمبيوتر الاستفادة من التجسيد لإنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً؟

للإجابة على هذه الأسئلة، أنشأوا ملعبًا يحاكي الكمبيوتر، حيث تتعلم فيه الكائنات الشبيهة بالمفصليات التي يطلق عليها اسم “الأحاديات” وتتعرض للطفرات والانتقاء الطبيعي. ودرس الباحثون بعد ذلك كيف أثر وجود أجسام افتراضية على تطور ذكاء الكائنات الأحادية.

تجسيد الذكاء

يقول فاي فاي لي، عضو فريق البحث والمدير المشارك لمعهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان: “غالبًا ما نركز على الذكاء باعتباره وظيفة من وظائف الدماغ البشري والخلايا العصبية على وجه التحديد . لذا، يعتبر النظر إلى الذكاء على أنه شيء مجسد جسديًا نموذجًا مختلفًا.”

وتشير النتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في مجلة Nature Communications الدورية، إلى أن التجسيد هو مفتاح تطور الذكاء: إذ أثرت أشكال أجسام الكائنات الافتراضية على قدرتها على تعلم مهام جديدة. كما أن المجسّمات التي أدت مهاماً أكثر تعقيدًا تعلمت بشكلٍ أسرع وأفضل من تلك التي تتعلم وتتطور في محيطٍ أبسط. ذلك على الرغم من أن جميع المجسّمات بدأت وجودها بنفس مستوى الذكاء الأساسي

يمكن أن تساعد خوارزمية الفريق، التي أسموها DERL (اختصاراً للتعلم المعزز للتطور العميق)، الباحثين في تصميم روبوتات مُحسَّنة لأداء المهام الواقعية في بيئات العالم الحقيقي. حيث أننا إذا أردنا لهذه الروبوتات أن تجعل حياتنا أفضل، فنحن بحاجة إليها للتفاعل في العالم الذي نعيش فيه.

عالم المجسّمات

مصدر الصورة: موقع جامعة ستانفورد.

لفهم تطور الذكاء المتجسد، قام الفريق بتنويع ليس فقط أشكال المجسّمات، ولكن أيضًا بيئات تدريبها والمهام التي تؤديها. وهذا سمح للباحثين بالنظر في الكثير من الأسئلة العلمية أكثر مما تم القيام به سابقًا.

كما اعتمد الفريق أيضًا مخططًا تطوريًا داروينيًا لضمان أن كل كائن من تلك الكائنات المجسمة لديه أكثر من فرصة واحدة للنجاح وانتقاله إلى الجيل التالي. وساعد هذا النهج في الحفاظ على التنوع في السكان وخفض أيضًا التكلفة الحسابية لعمليات المحاكاة.

بدأت كل محاكاة بـ 576 مجسمًا فريدًا يتكون من “كرة” (بمثابة الرأس) و “جسم” يتكون من أعداد مختلفة من الأطراف الأسطوانية المفصلية المرتبة بترتيبات مختلفة. وكل مجسّم أحسس العالم بنفس الطريقة وبدأ بنفس البنى العصبية وخوارزميات التعلم. بعبارةٍ أخرى، بدأت جميع المجسمات حياتها الافتراضية بنفس مستوى الذكاء، فقط أشكال أجسامها كانت مختلفة.

بعد ذلك، مرت كل واحدة بمرحلة تعلم إما أن تتنقل فيها في تضاريس مسطحة أو تضاريس أكثر تحديًا تضمنت تلالًا ممتلئة، وخطوات متدرجة، وتلال ناعمة. وتعيّن على بعض المجسمات نقل كتلة إلى موقع مستهدف عبر التضاريس المتغيرة. وبعد التدريب، دخل كل لاعب -مجسم- في دورة مع ثلاثة لاعبين آخرين تم تدريبهم على نفس البيئة ومجموعة المهام. وتم اختيار الفائز لإنتاج نسل واحد خضع لطفرة واحدة تنطوي على تغييرات في الأطراف أو المفاصل قبل الخوض في نفس مهام والديه. وشاركت جميع الكائنات (بما في ذلك الفائزة) في بطولاتٍ متعددة.

بعد إجراء 4000 تدريب مختلف، أنهى الباحثون المحاكاة. وفي تلك المرحلة، كانت الكائنات الوحيدة المتبقية قد مرت، في المتوسط، بعشرة أجيال من التطور، وكانت التشكلات الناجحة متنوعةً بشكلٍ مدهش، بما في ذلك ذوات قدمين، وثلاثة أقدام، ورباعية أقدام بأذرع وبدون أذرع.

تحدي المصارع

المصدر: موقع جامعة ستانفورد.

بعد الانتهاء من ثلاث دورات تطورية لكل بيئة (4000 شكل في كل شوط)، اختار الباحثون أفضل 10 لاعبين أحاديي الأداء من كل بيئة وقاموا بتدريبهم من الصفر على ثماني مهام جديدة تمامًا مثل التنقل حول العوائق أو التلاعب بالكرة أو دفع صندوق لأعلى منحدر.

وكانت المحصلة أن أداء الكائنات التي تطورت في تضاريس متفاوتة أفضل من تلك التي تطورت في التضاريس المستوية، وكان أداء الكائنات التي تطورت للتعامل مع صندوق في تضاريس متغيرة هو الأفضل. كما تعلّم أنجح الكائنات بشكلٍ أسرع، وبشكل فردي وعبر الأجيال. وفي الواقع، بعد 10 أجيال، تكيفت أنجح الكائنات بشكلٍ جيد لدرجة أنها تعلمت نفس المهمة في نصف الوقت الذي تعلمه فيها أسلافهم الأوائل.

ويتوافق هذا مع فرضية قدمها في أواخر القرن التاسع عشر عالم النفس الأمريكي جيمس مارك بالدوين، الذي توقع أن القدرة على تعلم الأشياء التي لها ميزة تكيّفية يمكن في الواقع أن تنتقل من خلال الانتقاء الطبيعي الدارويني. ويقول باحثو ستانفورد هنا، تختار الطبيعة تغييرات الجسم التي تجعل اكتساب السلوك الإيجابي أسرع.

كيف سيساهم ذلك في صنع أنظمة ذكاءاصطناعي أكثر ذكاءً؟

نظرًا لأن الكائنات التي تطورت في بيئاتٍ أكثر تعقيدًا تعلمت مهام جديدة بشكلٍ أسرع وأفضل، يعتقد الباحثون أن السماح للعوامل المجسدة المحاكية بالتطور في بيئات متزايدة التعقيد سيوفر رؤىً لتطوير الروبوتات التي يمكنها تعلم أداء مهام متعددة في العالم الحقيقي.

لا يعرف البشر بالضرورة كيفية تصميم أجسام الروبوت للقيام بمهام غريبة مثل الزحف عبر مفاعل نووي لاستخراج النفايات، أو توفير الإغاثة من الكوارث بعد الزلزال، أو توجيه الروبوتات النانوية عبر جسم الإنسان، أو حتى القيام بمهام منزلية مثل غسل الأطباق أو طي الغسيل.

لكن يقول أحد الباحثين: “ربما يكون السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو السماح للتطور نفسه بتصميم هذه الروبوتات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات