المساعدون الافتراضيون.. لماذا لم يتحدثوا العربية بطلاقة حتى الآن؟

المساعدون الافتراضيون.. لماذا لم يتحدثوا العربية بطلاقة حتى الآن؟
استمع إلى المقال

صعد الرئيس التنفيذي لشركة ألفابِت المالكة لجوجل سندار بيتشاي، المنصة خلال مؤتمر “Google I/O” في مايو الماضي للكشف عن أحدث ابتكارات الشركة في برنامج الترجمة الخاص بها. لكن سرعان ما اكتُشف خطأ فادح خلفه، بعكس جوجل أحرف العبارة العربية وكتابتها من اليسار إلى اليمين. أشارت هذه الكارثة إلى أن المساعدين الصوتيين الذين أنشأتهم شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون، ما زالوا بعيدين نسبيًا عن المستخدمين في الشرق الأوسط حتى وإن كان بعضهم يتحدث العربية.

المساعدون الافتراضيون مثل “أليكسا” و”سيري” و”مساعد جوجل” هم أكثر مظاهر الذكاء الصنعي وضوحًا في الحياة اليومية، إذ تتراوح مهامهم من قراءة موجز الأخبار إلى تقديم تحديثات الطقس والبحث عبر الإنترنت وصولاً إلى التحكم في أنظمة الأمان والحرارة والإضاءة في المنازل الذكية. ولكن نظراً إلى أن معظم المساعدين الصوتيين تم تصميمهم في الغرب، فقد اضطر المستخدمون العرب لسنوات للتواصل معهم باللغة الإنجليزية، إلا أن الحاجة لمزيدٍ من الخصوصية دفعت تلك الشركات إلى إضافة العربية إلى لغات أولئك المساعدين، لكن المشكلة لم تنتهِ تماما.

إذ أصبح بإمكان المساعدين الآليين تلقي الأوامر والرد عليها وقراءة النشرات والمقالات باللغة العربية، لكن الصوت لم يكن مألوفاً أو مريحاً على الإطلاق، حيث ظهرت اللكنة الأميركية حتى عند تحدثهم باللغة العربية، كما افتقروا للمسة الإنسانية وكانت أصواتهم آلية كليًا، لدرجة انتشار النكات والفيديوهات الهزلية بين مستخدمي الإنترنت عندما نطق مساعد سيري كلمة “please” بـ “باليز” باللغة العربية.

جوجل تحاول التعلم

عملية البحث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجوجل، بغض النظر عن اللغة التي تتحدث بها أو في أي جزء من العالم تقيم فيه، ولا يُستثنى الشرق الأوسط من ذلك عندما يتعلق الأمر باللغة المكتوبة. فعملاق البحث يقدم نتائج سريعة تتكيف مع الحساسيات في الشرق الأوسط وخصوصيته. وحاولت جوجل تقديم مساعدها الآلي بما يتماشى مع ذلك في البداية عندما أتاحته باللهجات المصرية والسعودية.

لكن حتى جوجل تحتاج بعض الوقت للتعلم، وهذا هو سبب عدم إضافة المزيد من اللهجات الإقليمية للغة العربية، كما أنها لا زالت غير قابلة لاستجابة بعض الأوامر التي تتعلق بالأجهزة المنزلية الذكية. ومع ذلك، حقق البرنامج مطلع العام الماضي على قفزة نوعية بالتعاون مع مبادرة “سيف سبيس” ومقرها الإمارات العربية المتحدة، إذ أصبح مساعد جوجل الآن قادراً على تقديم الدعم النفسي للمستخدمين العرب استنادًا إلى آليات التكيّف الخاصة بالمعالجين.

سيري واللهجة البيضاء

يُعد “سيري” واحدًا من أكثر ثلاثة مساعدين صوتيين كفاءة في الوقت الحالي. لكن يبقى له حدوده أيضًا. إذ يعاني مساعد “سيري” عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن اللكنة الأميركية -حتى عند التحدث بالعربية- وغالبًا ما يخطئ في نطق الكلمات العربية، مما يربك المستخدمين في الشرق الأوسط.

لا يعني ذلك أنه يؤثر على شعبية هذا المساعد بأي شكل من الأشكال، ولكن “سيري” أيضًا لم يكن سريعًا في استيعاب الأوامر الصوتية باللهجات العربية المحلية، على الرغم من أنه يتحدث أكثر من 20 لغة. هذا لأن “سيري” يستجيب بشكلٍ أساسي للغة العربية الفصحى أو اللهجة البيضاء، والتي لا يستخدمها معظم الناس في تفاعلاتهم اليومية، كما أنه لا يتوافق تماماً مع اللهجات الأردنية أو المصرية.

أليكسا آخر الوافدين

تم إطلاق “أليكسا” بنسختها العربية في المملكة العربية السعودية ودبي في أواخر عام 2021، وذلك بعد فترة طويلة من إضافة نظرائها “سيري” و”مساعد جوجل” للغة نفسها، إذ أخذت أمازون وقتها لتتأكد من فهم “أليكسا” اللغة العربية بشكلٍ سليم. إذ درّبت المساعد الصوتي لمدة عامين لبناء شخصية مستقلة بدلاً من ترجمة الأوامر حتى يتمكن أيضًا من فهم الخلفيات والتلميحات الثقافية المحلية بدقة.

كما دخلت أمازون في شراكة مع عملاق البث الموسيقي في المنطقة “أنغامي” للتأكد من استجابة “أليكسا” لكافة الأذواق والتفضيلات الموسيقية المحلية، من عمرو دياب إلى نانسي عجرم إلى محمد رمضان. لكن ومع ذلك، فإن المساعد الذكي على دراية جيدة باللهجة الخليجية أكثر من بقية اللهجات العربية.

محاولات محلية لم تنضج بعد

تعمل الأدوات الرقمية والمساعدات الافتراضية على تسريع الابتكار في هذه الصناعة. إذ استلهم الخبراء في العالم العربي من “سيري” و”أليكسا” لإنشاء مساعدين صوتيين يتحدثون العربية وولدوا في المنطقة. في العام الماضي، قدّم رائد الأعمال الأردني ساري حويطات مساعد “زينة” الآلي، الذي يوصف بأنه أول مساعد صوت تفاعلي عربي على الإطلاق، والذي يمكن دمجه في مراكز الاتصال بدلاً من تسويقه مباشرة لمستخدمي الهواتف الذكية.

وسبق “زينة” برنامج آخر ناطق بالعربية يسمى “سلمى”، من الأردن كذلك، طوّرته شركة “موضوع”، والذي، بحسب الشركة، يتفهم الحساسيات الإقليمية ويُعلم المستخدمين بمواعيد الصلاة وتحديثات الطقس وأسعار صرف العملات. لكنه لم يلبث أن واجه مشكلةً كبيرة في الفهم عندما سأله أحد المستخدمين “كيف يمكنني تحويل الأموال إلى السعودية؟” وكانت إجابته صادمةً إذ قال: “غسيل الأموال يعد جريمة، إليك بعض المقالات عن ذلك”. بينما أفاد مستخدم آخر أن المساعد لم يستجب على أوامره العربية بشكلٍ صحيح سوى في 50% من الحالات. كما تكررت لدى “زينة” و”سلمى” إجابة: “آسف، لم أفهم ذلك”

ما سبب قصور الفهم؟

يعود الأمر في الحقيقة إلى مجموعة من الأسباب، وليس سببًا واحدًا، فاللغة العربية يصعب استخدامها في الذكاء الصنعي، كما وصفها ديفيد ويلمسن، رئيس قسم دراسات اللغة العربية والترجمة في الجامعة الأميركية في الشارقة بأنها لغة عصيّة على الحوسبة في  “كتيّب اللسانيات العربية” الذي صدر عن دار نشر جامعة كامبردج، فاللغة بالغة الخصوصية في نواحٍ عديدة.

بحسب موقع “تووردس داتا ساينس” المختص بنشر مقالات باحثي الذكاء الصنعي، يفهم المساعد الآلي الأوامر الصوتية أو الأسئلة ويترجمها إلى نص. ثم يتعين على الذكاء الصنعي تنفيذ خوارزميات متعددة على هذا النص، ونتيجةً لذلك، يتم إعادة النص المحكي بشكلٍ مكتوب للمستخدم. ويقول الباحث المساعد في علم البيانات في المعهد الكوري المتقدّم للعلوم والتكنولوجيا أنس الصعيدي، في حديثه لموقع “إكسڤار”، إن تحقيق ذلك باللغة العربية ليس سهلاً كما يبدو، بل هو مرتبط بتحدّيات متعددة.

  1. عدم وجود أحرف كبيرة

لا تميز اللغة العربية بدايات أسماء الأماكن وأسماء العَلم بأحرف الكبيرة. وعندما لا تُكتب أسماء العَلم بأحرف كبيرة، يصعب على الذكاء الصنعي تنفيذ “التعرف على الكيان المحدد”. على سبيل المثال، لن يكون الكشف عن شخص أو موقع محدد في الجملة مهمة سهلة للذكاء الصنعي، بحسب الصعيدي.

  1. ترتيب الكلمات المتغير

لا تحتوي اللغة العربية على ترتيب ثابت للكلمات في جملها، إذ يمكن أن يتقدم الخبر على المبتدأ أو يكون الفاعل ضميرًا مستترًا وغيرها من الحالات؛ مما يجعل من الصعب على الذكاء الصنعي التعرّف بسهولة على الفاعل أو الفعل أو موضوع الجملة أو نوعها، وفقًا لحديث الصعيدي.

  1. تعدد اللهجات ونقص نماذج التدريب

نأتي الآن إلى أكبر مشكلة لدى الذكاء الصنعي والعربية بحسب كلام الباحث. وهي أن للغة العربية لهجات متعددة، ولكل لهجة قواعدها وكلماتها الخاصة. إذ يمكن تقسيم اللهجات العربية إلى سبع مناطق: الخليج واليمن والعراق ومصر والسودان وشمال إفريقيا وبلاد الشام، كما هناك أكثر من 50 لهجة فرعية للغة العربية.

على سبيل المثال، يوجد لسؤال “ماذا تناولت على الفطور اليوم؟” ما لا يقل عن 10 مرادفات حسب كل لهجة. ولا تستخدم كل اللهجات نفس المرادف لكلمة “ماذا” ولا تحتوي كل اللهجات على ضمير الاستفهام في بداية الجملة.

كما يتحدث جميع الناطقين باللغة العربية باللهجة العربية الخاصة بهم كلغة أصلية، ويمكنهم جميعًا التحدّث باللغة العربية الفصحى كلغة ثانية، لكنها تُستخدم فقط في المراسلات الرسمية والتعليم ووسائل الإعلام المكتوبة، والقنوات الإخبارية، لا في الحياة اليومية.

وبحسب الصعيدي، سبّب ذلك مشكلةً في عملية تعليم الذكاء الصنعي على اللهجات، إذ يوجد ما يكفي من نماذج التدريب على الإنترنت بالعربية الفصحى. ولكن نظرًا لأن اللهجات الشعبية ليست لغة مكتوبة، فلا توجد نماذج تدريب على الإنترنت لها. لكنه يشير إلى أن هذا الوضع يتغير ببطء مع شعبية وسائل التواصل الاجتماعي التي يكتب عليها الناس تحديثاتهم وأفكارهم باللهجات العامية.

حتمية التطور

على الرغم من حواجز اللغة، يبدو أن هناك مستقبلاً صاخباً أمام مساعدي الصوت الافتراضيين الناطقين بالعربية. فعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن تنمو قيمة سوق المساعدين الافتراضيين إلى 51.9 مليار دولار في 2028، وفقًا لأبحاث “غراند فيو”. بينما تتوقع “جونيبر للأبحاث”، أنه سيكون هناك 8.4 مليارات مساعد صوتي افتراضي قيد الاستخدام بحلول عام 2024، بارتفاع قدره الضعف عن عدد المساعدين الافتراضيين الذي بلغ 4.2 مليار عام 2020. ويُذكر أن “مساعد جوجل”، وحده موجود بالفعل على أكثر من مليار جهاز.

ووسط هذا النمو، سيصبح المساعدون الصوتيون حتمًا أكثر ثرثرة، وأكثر فائدة. كما يتوقع البعض أن تستخدمهم الشركات للتعامل مع مهام أكثر تعقيدًا، وبالفعل بدأ ذلك لدى بعض الشركات في استخدام الناطق الآلي الذكي في خدمة العملاء والمبيعات. لذا، فقد حان للشركات التي تقف وراء هؤلاء المساعدين، سواء المحلية أو العالمية، أن تطوّر مساعديها ليتحدثوا بطلاقة مع مختلف ناطقي العربية البالغ عددهم 273 مليون نسمة، لا مجموعة محددة منهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.