استمع إلى المقال

“كلما كان الإنذار المبكر لدينا أكثر استعدادًا، كلما قلّت المأساة الإنسانية”. هذا ما قاله مورالي ثوماروكودي، مدير العمليات في فرع إدارة الأزمات ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وهذا هو الهدف الرئيسي في العمل الحثيث والمستمر على تطوير أدوات وتقنيات، لرفع كفاءة التنبؤ بالكوارث الطبيعية من براكين وزلازل وأعاصير وأوبئة غيرها.
 
ومن هذه النقطة بالذات جاءت الحاجة الملحة لدمج الذكاء الصنعي، للعب دور مهم في الحد من مخاطر الكوارث، من التنبؤ بالأحداث، وتطوير خرائط المخاطر إلى اكتشاف الأحداث في الوقت الفعلي، وتوفير الوعي بالأوضاع وسرعة اتخاذ القرارات، فهذه التقنيات تساعد في الكشف عن الطقس القاسي والمتطرف والمخاطر الأخرى والاستعداد لها، فضلاً عن التواصل مع السكان والمجتمعات بفعالية بشأن الاستجابة اللازمة.

تكاليف الكوارث الباهظة


في أكتوبر / تشرين الأول 2021، تم تسجيل 18 كارثة متعلقة بالمناخ والطقس في الولايات المتحدة وحدها، تسبب كل منها في أكثر من مليار دولار، وفقًا لمراكز NOAA الوطنية للمعلومات البيئية (NCEI)،
تجاوز تكلفة إعصار إيدا 64.5 مليار دولار، ووفقًا لما ذكره مركز NOAA، فقد تسببت موجة البرد التاريخية التي اجتاحت شمال غرب ووسط وشرق الولايات المتحدة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن الملايين في تكساس لعدة أيام، إلى خسائر تجاوزت 20 مليار دولار. وبحسب واشنطن بوست استمرت حرائق الغابات وظروف الجفاف في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا وشمال غرب المحيط الهادئ في عام 2021، وألحقت السيول والانهيارات الطينية بواشنطن وكولومبيا، و كندا، مما أدى إلى تدمير الطرق والجسور والسكك الحديدية، الأمر الذي أدى إلى عمليات إجلاء الآلاف وما لا يقل عن أربع وفيات.

الذكاء الصنعي للحد من مخاطر الكوارث

توفر أساليب الذكاء الصنعي فرصاً جديدة تتعلق بمعالجة بيانات المراقبة، وكذلك المعالجة اللاحقة لمخرجات نموذج التنبؤ. يتم تعزيز إمكانات الذكاء الصنعي من خلال الاستشعار عن بعد على سبيل المثال، الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، وشبكات الأدوات من محطات الأرصاد الجوية، بالإضافة لذلك يتم تطوير البنى النموذجية على نحو متواصل، لذلك من المتوقع أن يصبح الذكاء الصنعي أكثر بروزًا في تطبيقات الحد من مخاطر الكوارث في السنوات القادمة.

التنبؤ المبكر


يتم جمع جميع أنواع البيانات، من الكوارث المماثلة والسيناريوهات السابقة، بحيث يعمل النظام على تطوير نماذج تنبؤية تسمح باتخاذ القرار المبكر للمساعدة أولاً في تقليل الخسائر في الأرواح البشرية، وثانيًا تقليل الخسائر البيئية والاقتصادية.

الفيضانات


شركة فوجيتسو، هي إحدى الشركات التي تركز على هذا القطاع؛ وتعمل على تطوير تقنية هدفها التنبؤ بالفيضانات الناجمة عن فيضان الأنهار. يقع مقر المشروع في اليابان، حيث تسبب هطول الأمطار الغزيرة في مناسبات عديدة في ارتفاع منسوب الأنهار إلى تدمير المدن في جميع أنحاء البلاد. ومع الاعتماد على تقنيات الذكاء الصنعي، لا يعتزمون فقط التنبؤ بهطول الأمطار المحتمل، ولكن أيضًا إلى أي مدى قد ترتفع الأنهار، ومن ثم يقومون بتحذير السلطات المعنية لاتخاذ الإجراء المناسب.
 
تعمل جوجل أيضًا على الفيضانات المحتملة كجزء من برنامج التنبيهات العامة من جوجل. وقامت جوجل بإضافة الذكاء الصنعي إلى المشروع من خلال تنفذه في الهند، والهدف هو اكتشاف الفيضانات المحتملة، والتي ستساعد لجنة المياه المركزية في الهند، على توقع الكوارث التي تسبب خسائر فادحة سنويا. حاليًا يتم تنفيذ المبادرة في منطقة باتنا، ولكن الهدف هو استخدامها قريبًا في أي مكان في العالم.

الحرائق

 
على الطرف النقيض للفيضانات، توجد الحرائق بنفس القدر من الكارثة والتدمير. هناك عدة مشاريع جارية لمنعها أيضًا. أحدها هو أن المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي بالولايات المتحدة، والذي يستخدم تكنولوجيا قادرة على التنبؤ بالكوارث الطبيعية وإدارتها، مثل حرائق الغابات الشديدة، وذلك من خلال تحليل جميع أنواع البيانات بواسطة Bee2Fire Detection، وهو مشروع يعتمد على الذكاء الصنعي من شركة IBM لمنع هذا النوع من الكوارث البيئية. ويتم جمع، وتحليل معلومات مثل درجة الحرارة والرطوبة للهواء واتجاه الرياح، ومقارنتها مع الحوادث السابقة ولتوقع أي مشاكل قد تحصل.

في أواسط 2020 استخدمت الإدارة العامة للدفاع المدني لدولة الإمارات، إمارة أبو ظبي تحديدًا روبوت يحمل اسم (TAF35) العامل بنظام التحكم عن بعد في مكافحة الحرائق، ويعتمد على الذكاء الصنعي والتعلم الآلي لضخ كميات كبيرة من المياه، وتحديد النظام المطلوب من النظام العادي أو نظام الرذاذ المائي، كما يمكن استخدامه لسحب أوزان تصل إلى 3.8 طن، وكما بإمكانه القيام بمناورات في مواقع حوادث الحرائق، وتم استخدامه أيضًا في رش المعقمات للحد من انتشار فيروس كوفيد-19.

كوارث من نوع آخر تطال الشرق الأوسط

تطبيقات الذكاء الصنعي لمعالجة الكوارث الطبيعية ليست سوى بعض الطرق التي يمكن استخدامها لحماية الأرواح البشرية. فقد أشار تقرير الذكاء الصنعي والاقتصاد الدائري والذي يهدف إلى القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد، الذي أعدته مؤسسة Ellen MacArthur Foundation، بالتعاون مع جوجل وبدعم تحليلي من McKinsey & Company، إلى أن الذكاء الصنعي يمكن أن يكون مفتاحًا لمنع الهدر الهائل في النظام الغذائي وبالتالي تحقيق توفير 127 مليار دولار سنويًا. 

لا تقتصر الكوارث الطبيعية على الزلازل والبراكين والفيضانات والحرائق، فهناك كوارث أخرى تهدد البشرية بشكل من الأشكال، ومنها المخاطر المناخية، والتي تم تصنيفها كأهم المخاطر في تقرير المخاطر العالمية 2021، وكانت منطقة الشرق الأوسط من المناطق الأكثر عرضة لمستويات عالية من التلوث ،وفقدان التنوع البيولوجي والجفاف وندرة المياه، ومشاكل الأمن الغذائي وتدهور وسوء الأراضي الزراعية.

في تقرير حديث للأمم المتحدة أشار إلى أن تدهور الأراضي يؤثر على نصف سكان العالم، كما يؤثر على الاقتصاد العالمي. فخلال عقدين من الزمن، انخفضت الأراضي الزراعية في الإمارات العربية المتحدة من حوالي 8% إلى 5% فقط. وهذا ما استدعى الكثير من الجهود للحد من هذا التقهقر في التربية الزراعية ومحاولات تحسينها وحفاظًا على الأمن الغذائي.

الامارات العربية المتحدة

مشروع تجريبي

في العام الماضي 2021 استخدمت وكالة البيئة في أبو ظبي (EAD) الطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد، والذكاء الصنعي ضمن مشروع تجريبي لتتبع جودة التربة. قام المشروع بجمع 410 عينة من 250 موقعًا في غضون 50 يومًا. ومسح أكثر من 3.8 مليون متر مربع من الأراضي، ثم تتم مقارنة هذه البيانات بصور الأقمار الصناعية، ويولد الذكاء الصنعي تنبؤات حول النشاط البشري، وهو المسؤول المباشر في الضرر بجودة التربة في أبو ظبي.

مدينة المصدر

وتعتبر أول مدينة تعتمد على الطاقة النظيفة والمتجددة في العالم، وهي خالية من النفايات والكربون، وتضم مناطق تعليمية وترفيهية تعمل بالطاقة المتجددة، ووحدات سكنية، وتجارة تجزئة، ومصانع ومكاتب. وعدادات المياه الذكية، ومياه الصرف الصحي المعالجة لري النباتات والحفاظ على المياه. والهدف من هذه التجربة هي تمكين الاستدامة المباشرة.

مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية

تعد من كبرى الحدائق الشمسية في العالم، وهي تحت إشراف هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، تعتمد على نموذج المنتج المستقل للطاقة لزيادة الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة. 
من المقرر أن تنتج الحديقة 5000 ميجاوات بحلول عام 2030 ويخفض انبعاثات الكربون بمقدار 6.5 مليون طن سنويًا.

شركة Amana

هي شركة إقليمية مقرها الإمارات العربية المتحدة رائدة في تصميم وبناء المرافق الصناعية والتجارية، مع أكثر من 1500 مبنى تم تشييدها في ثلاثة عقود من العمليات في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.
 
قامت الشركة بتمكين شركة Global Shipping & Logistics LLC في مدينة دبي الصناعية من تشغيل مستودع صديق للبيئة، حيث قامت بتسخير الاسطح للمستودع بتركيب ألواح شمسية، ذو طبقة بيتومين عازلة مانعة للتسرب للحفاظ على ضيق المياه. وهذه الألواح قادرة على مقاومة 4153 طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يقارب إزالة 864 سيارة من الطرق كل سنة.
 
تحدّث لفريق إكسفار أحد المسؤولين عن المشروع، والذي فضل عدم ذكر اسمه، “تم تغطية المستودع بـ 14040 لوحة من ألواح الطاقة، والمشروع يعمل بقدرة إنتاجية تصل إلى 6.107 MWP، وتم ربط المشروع مع شبكة هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، من خلال عداد يعمل بكلا الاتجاهين (Bi-directional meter)، أي بإمكان هذا المشروع أن يمنح هيئة كهرباء ومياه دبي الكهرباء بدل أن يستهلك منها”.
 
وبحسب ما ذكره المسؤول أيضاً، أن هذه النقطة تمامًا، هي التي أثارت بعض الصعوبات والعقبات في الحصول على رخصة العمل والبدء في مشاريع ضخمة كهذا المشروع من قِبل هيئة كهرباء ومياه دبي، التي تفضل منح رخص العمل لمشاريع صغيرة ومتوسطة، لتكون هي الرابح الأكثر من خلال منحها للكهرباء لهذه المشاريع.

المملكة العربية السعودية

تقييم الاضرار

في 2021، تم استخدام تقنية الاستشعار عن بعد بالاعتماد على الذكاء الصنعي لتقييم الأضرار التي لحقت بقبة ملح جيزان في المملكة العربية السعودية بسبب الانحلال تحت الأرض. وهذا ما أثّر إلى تدهور القبة على الأحياء السكنية المقامة على سطحها. تم استخدام بيانات الأقمار الصناعية لقياس تلوث الهواء وتركيز الغازات الدفيئة في المدينة.

رؤية 2030

تم إطلاق مشاريع مميزة لتنويع موارد الطاقة وتحسين مزيج الطاقة في المملكة، مع الاستفادة من الإمكانات الطبيعية الهائلة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاً عن الاستثمارات الكبيرة في التقنيات المستدامة. ستشكل الطاقة المتجددة ما يصل إلى نصف إجمالي توليد الكهرباء بحلول عام 2030. تعد مشاريع الطاقة هذه بمثابة محركات أساسية نحو الاستدامة.

الخط  نيوم

هو عبارة عن تطوير حضري خطي بطول 170 كيلومترًا مع مجتمعات متنوعة مترابطة للغاية والمعززة بالذكاء الصنعي، وخالية من الانبعاثات الكربونية، خالية من السيارات، تتميز بأحياء متشابكة مع المساحات المفتوحة والمتنزهات والحدائق والإنتاج الغذائي المستدام بسلاسة في المجتمعات.

دولة قطر

حماية الشعاب المرجانية

نشر تقنية الاستشعار عن بعد لإنشاء خرائط للشعاب المرجانية على طول ساحل البلاد. ومن خلال البيانات التي تم جمعها، يتم تعزز الجهود المبذولة للحفاظ على الشعاب المرجانية في منطقة الخليج.

الأمل في الذكاء الصنعي

تُظهر العديد من دراسات قيمة الذكاء الصنعي خلال المراحل المختلفة لإدارة الكوارث: منها التنبؤ والمساعدة في فهم الكوارث وتبعياتها، وفي الرصد والكشف المبكر عن المخاطر الجديدة المحتملة.
 
وأصبح العالم يدرك أن هناك حاجة إلى قرارات ذكية، وفي الوقت المناسب لتجنّب جميع أنواع المخاطر وتخفيفها وإدارتها. في هذا الصدد، أظهر استخدام الذكاء الصنعي في عملية صنع القرار وعودًا هائلة، وخطوات جبارة إلى الأمام نحو مستقبل أكثر أمانًا وأكثر استقرارا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات