سيناريو حرب الصين المحتملة على تايوان وكيف ستؤثر على حياتنا اليومية

سيناريو حرب الصين المحتملة على تايوان وكيف ستؤثر على حياتنا اليومية
استمع إلى المقال

بدأت مخاوف اجتياح الصين لدولة تايوان في الظهور للعلن مجدداً، وذلك بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. بالطبع لم تكن هذه المخاوف جديدة العهد، فهي مترسخة ودائمة الحضور على طاولة المناقشات والمفاوضات الدولية، ويعود ذلك بسبب مخاوف الدول الأخرى من هيمنة الصين على صادرات تايوان التي تصدر إلى العالم.

 الصين تنظر إلى تايوان كجزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الموحدة، فالدستور الصيني ينص على إعادة توحيد الصين، وهو اتجاه واضح وغير قابل للنقاش في السياسة التي تتبعها الصين، لتلبي مطامعها القديمة والجديدة، وزيادة هيمنتها على المنطقة المحيطة بها بشكل خاص، وعلى العالم اقتصاديًا بصورة عامة.

في المقابل تبقى تايوان عقدة الصين الأزلية، فهي تنظر إلى نفسها كدولة ذات سيادة، سواء تم الاعتراف بها رسميًا أم لا، ليس هناك حرب مباشرة بين تايوان والصين، ولكن تبقى هناك علاقات باردة بين الدولتين تمتد من أواخر القرن الماضي حتى الآن، مع دعم كبير من قبل حلفاء تايوان، سواء الولايات المتحدة أو الأوروبيون لحقها في تقرير مصيرها، بعيدًا عن الأطماع الصينية في اقتصادها القوي.

أهم الصادرات

بالرغم من صغر حجم جزيرة تايوان التي لا تتعدى أكثر من 36 ألف كيلو متر مربع، فقد قامت بتصدير ما قيمته 447.6 مليار دولار أمريكي من البضائع إلى جميع أنحاء العالم في العام 2021. وقيمة الصادرات بازدياد بنسبة 41.8٪ مقارنة مع العام 2017 وزيادة بنسبة 29.1٪ من عام 2020 إلى عام 2021. وتمثل تايوان نصف الإنتاج الإجمالي للرقائق الدقيقة التي تعتبر بالغة الأهمية لعمل الهواتف المحمولة والإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات والمعدات العسكرية وغير ذلك.

تلعب تايوان دوراً هاماً بصناعة الجزئيات الأهم لتشغيل التقنيات الحديثة والأساسية في حياتنا اليومية، ولن يبقى هنالك وجوداً مستقر للتقنية أو للبنى التحتية في حال شنت الصين حرباً على تايوان، خصوصاً أن كلفة تصنيع معامل الشرائح بحسب تقرير نشرته جمعية صناعة أشباه الموصلات عام 2020، فإن الأمر يتطلب الآن ما يصل إلى 20 إلى 50 مليار دولار لبناء مصنع رقاقات كبير مزود بمعدات أكثر حداثة. وقد يستغرق بناء هذا المشروع أكثر من عشر سنوات.

تقوم تايوان بتصدير الآلات والمعدات الكهربائية، أجهزة الكمبيوتر، البلاستيك والمواد البلاستيكية، الأجهزة البصرية والتقنية والطبية، المركبات، الحديد والصلب، وغيرها الكثير من المواد الأخرى. ولكن أكثر الصادرات التي تتميز بها تايوان، هي صادرات رقائق أشباه الموصلات، وخصوصا من خلال شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة “tsmc”. 

فقد أظهرت أرقام وزارة المالية التايوانية أن صادرات أشباه الموصلات، تمثل حوالي 39% من إجمالي صادرات تايوان، وارتفعت هذه الصادرات بنسبة 38.2% في مارس / آذار 2021 إلى 16.79 مليار دولار أمريكي، وبنسبة 35.2% في الربع الأول لتصل إلى 45.71 مليار دولار أمريكي لعام 2022.

تايوان والرقائق الإلكترونية 

أشباه الموصلات

 تُعرف أشباه الموصلات “Semiconductors” بأنها مجموعة من المواد الصلبة البلورية، التي تمتلك قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، بحيث لا توصل الكهرباء بكفاءة المواد الموصلة مثل المعادن، لكنّها ليست أيضًا من المواد العازلة كالبلاستيك أو السيراميك، وتمتاز أشباه الموصلات بكفاءتها في مجال الطاقة، وانخفاض أسعارها؛ لذلك فهي تستخدم على نطاق واسع في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية والدوائر الإلكترونية المتكاملة.

السعي خلف أشباه الموصلات

وسط مساعٍ حثيثة أوروبية وأمريكية لمحاولة الاكتفاء الذاتي، واللحاق بتايوان، موطن أكبر شركات صناعة رقائق إلكترونية للهواتف الذكية والسيارات الحديثة والحواسيب حول العالم والكثير من الأجهزة الإلكترونية، تبقى تايوان هي المسيطرة على هذا السوق بنسب كبيرة، وتبقى أغلب الصناعات العالمية مرتبطة ارتباطاً وثيق وبحاجة إلى هذه الرقاقات الإلكترونية لمواكبة الأسواق العالمية الاحتياجات المحلية أيضًا، من سيارات كهربائية وأحدث أجهزة الهواتف والكمبيوترات المتطورة.

صناعة السيارات 

سيؤدي خسارة تايوان إلى نقص حاد في صناعة السيارات في مقدمتها شركتا جنرال موتورز، وفورد موتورز وأيضًا شركة فولكسفاغن وتويوتا والسيارات الكهربائية التي تعتمد كلياً على المستشعرات التي يتم الحصول عليها من تايوان، والكثير من وسائل النقل الأخرى التي يعتمد عليها المواطنون في تجوالهم والذهاب للعمل أو للمنزل. وسيتم الاعتماد على السيارات القديمة والمستعملة، مما سيرفع من أسعارها بصورة ملحوظة.

تحاول إدارة بايدن التعامل بجدية مع هذا الخطر في تبني نهج شامل لإيجاد الحلول. وإيجاد سبل لتوفير سلسلة توريد أشباه الموصلات. وكما قدم الكونجرس أيضًا تشريعات تهدف إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الإمداد الأجنبي، وذلك بتحفيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات من خلال خطة بقيمة 52 مليار دولار. ولكن حتى هذه اللحظة أمريكا غير مكتفية ذاتيًا، فهذه الإجراءات بحاجة إلى بعض الوقت ليتم مشاهدتها على أرض الواقع، لكن في المقابل هناك اعتماد شبه كلي على تايوان من قبل أوروبا، فمثلًا كوريا الجنوبية لا تغطي أكثر من 17% من احتياجات العالم من الرقاقات الإلكترونية.

الهواتف الذكية والكمبيوتر

على الصعيد أجهزة الهواتف الذكية، والأجهزة الذكية الأخرى، فعلى سبيل المثال تعد شركة آبل من أكبر زبائن شركة tsmc التايوانية، ووفقًا للبيانات المالية للشركة، اشترت آبل من شركة TSMC بمبلغ 14.27 مليار دولار أمريكي في 2021، بزيادة قدرها 20.37% عن العام السابق.

هذا يوضح مدى اعتماد شركة آبل في تصنيع أجهزتها الذكية على الرقائق التايوانية، وهذا ما يبين أن في حال احتلال تايوان من قبل الصين، بأنه لن يتم إطلاق أي هاتف ذكي في حال حدوث هذا السيناريو. وقد يتم الاعتماد على الإصدارات الأقدم، أو يتم غزو السوق من قبل شركات أخرى منافسة لآبل. 

في تقرير لوكالة رويترز في 2021، ذكرت أن شركة TSMC بلغت قيمتها السوقية حوالي 500 مليار دولار، هي واحدة من أكثر الشركات قيمة في آسيا، وتمثل 90% من الرقائق فائقة التطور في العالم. وتشارك هذه الرقائق في تطوير عالم الكمبيوترات وبالأخص الكمبيوترات المحمولة، لضمان قوة وسرعة الأداء هذه الأجهزة، والنحافة الفائقة لها، فلدى تايوان الأفضلية على مستوى التكنولوجيا في صناعة هذه الرقائق.

في حال فقدان تايوان، سيفقد العالم الكثير من التقنيات الأخيرة التي تم إضافتها في عالم الكمبيوترات المحمولة، وذلك بفضل رقاقات تايوان المتطورة، التي تساعد في تقديم جيل جديد على نحو متواصل من هذه الأجهزة، على سبيل المثال الكمبيوترات الهجينة التي تجمع بين الأجهزة اللوحية والكمبيوترات المحمولة، والشاشات التي تدعم اللمس وغيرها الكثير من التقنيات التي شهدناها في الآونة الأخيرة، وعلى هذا المنوال ستتوقف عجلة التطور، وستعاني الأسواق من شح في الموارد المطلوبة في صيانة أو تطوير الكمبيوترات لمدة طويلة من الوقت . 

لن يعاني سكان العالم من نقص في أحدث الهواتف والسيارات والكمبيوترات فقط، الأمر أكبر من ذلك بكثير، فنحن نتحدث عن رقائق إلكترونية، أي إنها تشارك في كل الأجهزة الكهربائية من غسالة أو راوتر أو تلفاز أو خلاط أي شي يعمل بالكهرباء بحاجة إلى دارة إلكترونية، وعلى أغلب الظن كتب عليها صنع في تايوان.

كوفيد رؤية مستقبلية لتأثير الحرب المحتملة

في بداية 2020 وحتى 2021 لوحظ تراجع كبير في الإنتاج في واحدة من أهم الصناعات في الولايات المتحدة، وهي صناعة السيارات، وذلك بسبب زيادة انتشار وتطور فيروس كوفيد-19 مما أدى إلى تعطل سلاسل الإمداد التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، لتستمر أزمة أشباه الموصلات التي ضربت العديد من القطاعات في البلاد. 

لم تكن الولايات المتحدة فقط من نال نصيبه من كوفيد-19، فهناك العديد من الصناعات حول العالم تأثرت أيضًا بسبب نقص في سلاسل التوريد، جمهورية مصر على سبيل المثال، نالت حصتها أيضًا من الركود في الإنتاج وارتفاع أسعار الهواتف والسيارات، بسبب قلة الإنتاج الهواتف والسيارات الحديثة، وبسبب قوانين حظر التجوال في أغلب بلدان العالم، أصبح الطلب متزايداً بشكل كبير على أجهزة الألعاب والعرض وغيرها، مما شكل عبء متزايداً على طلب الرقاقات الإلكترونية حول العالم.

فايروس كوفيد-19 تسبب في تباطؤ الإنتاج، فما بالك لو احتلت الصين دولة تايوان، واستولت على مصانع أشباه الموصلات الإلكترونية، وعلى كل ما تقوم تايوان بتصديره، قد يعني هذا الكثير للولايات المتحدة، وأوروبا ودول أخرى وسيتم خسارة الكثير من الأشياء التي كان سكان العالم يقومون به في حياتهم اليومية بشكل روتيني.

هل يتكرر سيناريو أوكرانيا؟ 

شهد العالم أجمع أزمة اقتصادية خانقة، ومنها نقص في مادة القمح والغاز والزيت، وارتفاع أسعار المحروقات في أغلب بلدان العالم، ناهيك عن فقدان الكثير من المواد الغذائية من رفوف المتاجر حول العالم، كل ذلك وأكثر مرتبط بالعملية الروسية في أوكرانيا، فهذه الحرب الغير متكافئ الأطراف، أضرت بالكثير من الأراضي الأوكرانية، تشرد الآلاف من الشعب الأوكراني حول الدول المجاورة، ولكن السؤال الذي يلوح في الأفق، هل يتكرر سيناريو أوكرانيا في حال احتلت الصين لدولة تايوان؟ وهل سيقف جيش تايوان المتطور مكتوف الأيدي، وهو الذي يحتل المرتبة 21 من 142 من الدول التي تم مراجعتها على موقع GFP الموقع المتخصص في تحليل الجيوش، وماذا عن حلفائها، هل سيكتفون بالتهديدات والعقوبات كما فعلوا في أوكرانيا؟

لذلك من الصعب التكهن بمجريات الأحداث الحاصلة لدى اجتياح الصين لتايوان، ومن الصعب الجزم بتأثيرات ومخرجات الحرب على المستوى الاقتصادي وبالأخص الصناعات بسبب موقع تايوان الجيوسياسي المهم للعالم أجمع.

تايوان باختصار

اختصر مارتنجن راسير وهو من مركز الأمن الأمريكي الجديد أهمية تايوان من خلال حديثه لموقع foxbusiness في عام 2021، “كل من يتحكم في تصميم وإنتاج هذه الرقائق الدقيقة، سوف يحدد مسار القرن الحادي والعشرين”.

ووفقًا لبيان صادر عن جمعية صناعة أشباه الموصلات الأمريكية، أن حدوث خلل كامل في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية من شأنه أن يتسبب في خسارة سنوية قدرها 490 مليار دولار أمريكي في الإيرادات لمنتجي الأجهزة الإلكترونية العالميين في جميع أنحاء العالم. ومن أجل تأمين 90% من الإمداد بأشباه الموصلات، تحاول الولايات المتحدة حماية تايوان من أي تهديدات صينية .

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات