استمع إلى المقال

بعد أكثر من 50 عاما من الإنتاج، تحلق طائرة “بوينج 747” – التي تعرف شعبيا باسم “الجامبو” –  الأخيرة في السماء. إذ سلمت “بوينج” آخر طائرة من طراز 747 تم بناؤها على الإطلاق لشركة “أتلاس آير” الأميركية للطيران يوم الثلاثاء الماضي، مغلقة الفصل الأخير في كتاب طائرتها الأكثر شهرة، لتعلن بداية فصل جديد تنضم فيه إلى الجهود الجمعية لمحاربة التغير المناخي.

 الممثل الشهير جون ترافولتا، المعروف بحبه للطيران، كان هناك عند تسليم الطائرة الأخيرة، وقال عنها “إنها كانت الطائرة الأكثر عناية وأمانا على الإطلاق”، بينما قال ريتشارد برانسون “وداعا للوحش الرائع” في مقابلة مع “رويترز”، متحسرا على ارتفاع تكاليف الوقود للرحلات الجوية عبر الأطلسي على متن الطائرة الجامبو.

هدف الاستدامة

السفر الجوي يُعد من أكبر المساهمين في تغير المناخ، إذ يمثل ما يصل إلى 2.4 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم، ومع تزايد عدد المسافرين، تتوقع الأمم المتحدة أن تتضاعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطائرات ثلاث مرات بحلول عام 2050.

لفهم حجم التأثير، تنتج رحلة من أوروبا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة – أي عبر المحيط الأطلسي – حوالي طن من ثاني أكسيد الكربون لكل راكب، والتي تصل إلى حوالي نصف البصمة الكربونية التي يمكن أن ينتجها الشخص عن طريق تناول الطعام لمدة عام، وتُعد طائرة “بوينج 747″، التي تتسع لأكثر من 500 شخص، ثالث أكبر طائرة تحلق في السماء، لذا يمكنك تخيل التكلفة البيئية للحفاظ على طيران هذه المركبة المعروفة باسم “ملكة السماء”.

وقفُ الإنتاج لا يعني نهاية طائرة 747، إذ يمكن أن تبقى الطائرات الحالية في الهواء لعقود، لكنها لحظة محورية لمستقبل الطيران، فقبل أسبوعين من الوداع الكبير لطائرة 747، أعلنت شركة “بوينج” ووكالة “ناسا” عن شراكة رئيسية، وهي مشروع “Flight Demonstrator”، لإنتاج طائرة ذات ممر واحد ذات مظهر غريب تتعهد بخفض استهلاك الوقود للطائرات التجارية، إذ تبدو الطائرة الجديدة وكأنها طائرة شراعية عملاقة بأجنحة طويلة نحيفة مدعومة بدعامات مائلة لتقليل السحب، ويطلق على ذلك مفهوم “الجناح المدعم الذي يطير بسرعة تقترب من سرعة الصوت”، وإذا تم اعتماده على نطاق واسع، يمكن أن يشكل خطوة حقيقية في طريق السفر الجوي المستدام.

تصميم صديق للبيئة؟

على عكس السيارات، لا يمكنك ببساطة توصيل البطارية بالطائرة وجعلها تعمل بالكهرباء – على الرغم من أن صناعة السيارة الكهربائية أكثر تعقيدا من ذلك، لكن لأجل التبسيط – إذ تُجرى التحسينات على الطائرات بزيادات صغيرة على مدار عقود، وعادةً ما يكون خفض استهلاك وقود الطائرات ولو بمقدار يسير أمرا جلل.

شركة “بوينج” تقول إن الابتكارات في مفهوم الجناح الجديد المدعم ستصل إلى تخفيض الانبعاثات بنسبة 30 بالمئة، وهذا هو بالضبط نوع القفزة التي أرادت “ناسا” الخروج منها من مشروع الطيران المستدام، الذي فازت بشراكته “بوينج”.

ما يجدر ذكره أن صناعة الطيران تعمل على الاستدامة منذ عقود، وعليه، فإن كل جيل من الطائرات التي تم إصدارها كان أفضل بنسبة 15، 20، أوحتى 25 بالمئة من الجيل الذي حلّ محلها، لذا، فإن القفزة في هذا المشروع تتمثل بمحاولة تخطي “ناسا” و”بوينج” جيلا من الابتكار.

الفكرة الكبيرة وراء مفهوم “الجناح المدعم الذي يطير بسرعة تقترب من سرعة الصوت” في تحديث تكوين الطائرة، أو بنيتها، وعلى عكس تصميم الجناح المنخفض الذي يهيمن على تكوين الطائرات التجارية اليوم، فإن تصميم “بوينج” الجديد له أجنحة تمتد فوق الجزء العلوي من جسم الطائرة الأنبوبي، وهذا يقلل من السحب، لكنه يسمح أيضا بمجموعة متنوعة من أنظمة الدفع، من المحركات النفاثة الأكبر إلى المراوح المكشوفة، كما أنه سريع أيضا، ويشير الجزء الأخير من اسمه المفهوم، كما هو واضح إلى قدرته على الطيران بسرعة أقل من سرعة الصوت بقليل، حوالي 965.606 كيلومتراً في الساعة.

“ناسا” تحب هذه الفكرة لدرجة أنها تستثمر 425 مليون دولارا في المشروع بموجب اتفاقية قانون الفضاء الممول، وستقوم “بوينج” وشركاء آخرون بدفع 300 مليون دولار إضافية، وبمجرد أن تبني “بوينج” طائرة تجريبية مكتملة الحجم، تقول “ناسا” إنها ستكمل الاختبار في أواخر هذا العقد، وإذا سارت الأمور على ما يرام، يمكن للعامة رؤية التقنيات الجديدة في الطائرات التجارية في وقت ما في العقد القادم.

مع ذلك، فإن مفهوم “الجناح المدعم الذي يطير بسرعة تقترب من سرعة الصوت” يشبه إلى حدّ كبير الطائرات التجارية التي نراها على مدارج الطائرات اليوم، لكن هذا ليس بالشيء السيئ، فهي ليست إعادة تصميم جذرية – على عكس ما اقترحته “ناسا” في تصميم جناح “X-48” الغريب – رغم أن ذلك التصميم له فوائد عملية من ناحية التصنيع، ولكن عذا التصميم الجديد وحده لن يجعل طائرات الجيل القادم أكثر اخضرارا.

التصميم وحده لا يكفي

مرة أخرى، من الصعب حقا جعل الطائرات أكثر كفاءة، وتكوين الطائرات هو مجرد جزء واحد من اللغز، فأنظمة الدفع الأكثر كفاءة ووقود الطائرات الأنظف، هما العاملان الآخران اللذان يحتاجان إلى التوافق معا. بعد ذلك، ربما نرى تصميمات لأنظمة الدفع الهجين التي تستخدم وقود الطائرات والبطاريات معا لتشغيل طائرة.

ما يجدر ذكره أن الطائرات التي تعمل بالكهرباء بالكامل موجودة، وتحلق بالفعل في السماء، لكنها طائرات صغيرة الحجم ضمن اختبارات أو بهدف أغراض دقيقة محددة، وربما يستغرق الأمر عقودا قبل أن نرى طائرات ركاب كبيرة تعمل بالبطاريات. لكن على المدى القريب، يبدو الهيدروجين وكأنه بديل قابل للتطبيق للوقود الأحفوري، الذي يُستخدم حاليا في الطائرات، إذ اختبرت شركتا “رولز رويس” و”إيزي جيت” محرك نفاث يعمل بالهيدروجين بنجاح، وهو الأول من نوعه في العالم، قبل بضعة أشهر فقط.

ما سنراه قبل تلك القفزات الكبيرة هو المزيد من التحسينات التدريجية، ويُذكر أنه قبل أسبوعين فقط من إعلان الشراكة بين “ناسا” و”بوينج”، على سبيل المثال، كشفت “رولز رويس” عن خططها لنظام دفع “UltraFan” الجديد، والتي تقول إنه يحقق قفزة بنسبة 25 بالمئة في الكفاءة، ويمكن تشغيله بوقود الطيران المستدام (SAF) بنسبة 100 بالمئة، وهو وقود حيوي مشتق من النفايات.

لكن على الرغم من أنه ليس وقودا أحفوريا تقليديا، إلا أنه لا يزال ينفث الكربون في الغلاف الجوي، كما أنه يعاني من نقص في المعروض، وما يجدر ذكره أن بعض الرحلات التجارية تستخدم وقود الطيران المستدام بالفعل ممزوجا بوقود الطائرات التقليدي.

عليه، فإن ابتكارا مثل وقود الطائرات المستدام هو بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه ليس ما هو مطلوب لجعل السفر الجوي أخضرا بقدر الإمكان. لكن من المؤكد أن التغيير الثوري سيكون في تغيير مصدر الطاقة نفسه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.