تجمع بيانات حساسة حول العالم: مخاوف بشأن شركة Nuctech لتقنيات المسح الضوئي

تجمع بيانات حساسة حول العالم: مخاوف بشأن شركة Nuctech لتقنيات المسح الضوئي
استمع إلى المقال

أصبحت شركة Nuctech من الشركات الرائدة في العالم، من حيث الإيرادات، في مجال ماسحات البضائع والمركبات. وبالإضافة إلى الماسحات الضوئيّة الأمنيّة بالأشعّة السينيّة الّتي يمرّ بها الركّاب والأمتعة في المطارات، تصمّم الشركة أيضًا أجهزة كشف عن المتفجّرات وأجهزة متّصلة ببعضها البعض قادرة على التعرّف على بطاقة الشخصيّة أو التذكرة وقياس درجة حرارة الجسم والتعرّف على الوجه.

وتفيد بعض التقارير أنّ Nuctech ذات علاقات عميقة مع النخبة العسكريّة والسياسيّة في الصين، بالرغم من مسؤوليّتها عن الفحص الأمنيّ ​​في بعض المطارات الأكثر حساسيّة في العالم والمعابر الحدوديّة والفعاليّات الدبلوماسيّة، وهذا ما أثار مخاوف بشأن الخصوصيّة وإساءة استخدام البيانات المحتملة.

رفضت الولايات المتّحدة وكندا وعدد من الحكومات الغربيّة الأخرى معدّات Nuctech بسبب مخاوف تتعلّق بالأمن القوميّ، ولكنّ هذه الشركة حقّقت في المقابل تقدّمًا كبيرًا في جميع أنحاء أوروبا، حيث قامت بتثبيت أجهزتها في 26 دولة من أصل 27 دولة من أعضاء الاتّحاد الأوروبّيّ.

يخشى عدد متزايد من مسؤولي الأمن وصنّاع السياسات الغربيّين من أنّ الصين يمكن أن تستغلّ معدّات Nuctech في الوصول غير المشروع إلى البيانات الحكوميّة أو الصناعيّة أو الشخصيّة من خلال العناصر الّتي تمرّ عبر أجهزتها.

يزعم منتقدو Nuctech إن الحكومة الصينيّة دعمت الشركة بشكل فعّال حتّى تتمكّن من أبعاد المنافسين ومنح بكّين نفوذًا محتملًا على البنية التحتيّة الحيويّة في الغرب حيث تسعى الصين إلى ترسيخ نفسها كقوّة تقنيّة عالميّة عظمى.

ذكر Bart Groothuis مدير الأمن السيبرانيّ بوزارة الدفاع الهولنديّة، وهو عضو حاليّ في البرلمان الأوروبّيّ، إنّ البيانات الّتي تتمّ معالجتها بواسطة هذه الأجهزة حسّاسة للغاية، في أمّا بيانات شخصيّة، أو بيانات عسكريّة، وبيانات شحن. والهدف الأساسيّ هو التأكّد من أنّها في أيد أمينة. ولكنّنا نعتمد على أجهزة تابعة لخصم جيوسياسيّ ومنافس استراتيجيّ في تداول هذه البيانات. والسيناريو الأسوأ، أنّه ليس لدينا أدوات لرصد ومقاومة مثل هذا التعدّي المحتمل.

اتّخذت الدول الأعضاء المختلفة وجهات نظر متعارضة بشأن المخاطر الأمنيّة لشركة Nuctech. ولكن لم يتمكّن أيّ شخص حتّى من إجراء إحصاء عام شامل لمكان وعدد أجهزة Nuctech الّتي تمّ تركيبها في جميع أنحاء القارّة.

في المقابل تتجاهل Nuctech هذه المخاوف، معارضة بذلك أنّ عمليّات الشركة في أوروبا تتوافق مع القوانين المحلّيّة، بما في ذلك الفحوصات الأمنيّة الصارمة وقواعد خصوصيّة البيانات.

وأوضح Robert Bos نائب المدير العامّ لشركة Nuctech في هولندا، حيث يوجد لدى الشركة مركز بحث وتطوير. أي نعم Nuctech هي أجهزتنا، ولكنّ البيانات هي بياناتكم.

وأضاف Bos إنّ Nuctech ضحيّة لمزاعم لا أساس لها من الصحّة، وهذه المزاعم قلّصت حصّتنا السوقيّة في أوروبا إلى النصف تقريبًا منذ عام 2019.

وأردف Bos لوكالة أسوشييتد برس إنّه خلال العشرين عامًا الّتي قدّمنا ​​فيها هذه المعدّات، لم نواجه مطلقًا أيّ مشكلات تتعلّق بالانتهاكات أو تسرّب البيانات. وحتّى اليوم لم يكن لدى أيّ شخص أيّ دليل على هذه الانتهاكات.

ماسحات ضوئية حرارية وأمنية في مطار في فرنسا عام 2020 – المصدر: Bertrand Guay

 ليست مجرّد شركة

وجدت Nuctech نفسها في الخطوط الأماميّة للمعركة بين الولايات المتّحدة والصين من أجل الهيمنة التكنولوجيّة الّتي تدور الآن في جميع أنحاء أوروبا.

فشركة Nuctech بغض النظر عن تصنيعها لأنظمة المسح الضوئيّ للأشخاص والأمتعة والبضائع، أجهزة كشف عن المتفجّرات والتعرّف على الوجه وقياس درجة حرارة الجسم وبطاقة الشخصيّة.

فهي تقوم أيضًا بدمج هذه البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء مع تقنيّات ومنتجات فحص السلامة بالحوسبة السحابيّة لتزويد العملاء بحلول فحص السلامة عالية التقنيّة. وهذا ما زاد من مخاوف منتقديها، والّذين يخشون أيضًا أنّه بموجب قوانين الاستخبارات الوطنيّة الصينيّة، الّتي تطالب الشركات الصينيّة بتسليم البيانات الّتي تطلبها وكالات أمن الدولة، لن تتمكّن Nuctech من مقاومة ضغوطات بكّين لتسليم بيانات حسّاسة حول البضائع والأشخاص والأجهزة الّتي تمرّ عبر الماسحات الضوئيّة.

وأنّ هناك مخاوف من أن تستخدم بكّين وجود Nuctech في جميع أنحاء أوروبا لجمع البيانات الضخمة حول التدفّقات التجاريّة عبر الحدود، أو سحب المعلومات من الشبكات المحلّيّة، مثل قوائم الشحن أو معلومات الركّاب.

معارك وتوسّع Nuctech

في عام 2009، اشتكّت شركة Smiths Detection المنافس الأوروبّيّ الرئيسيّ لشركة Nuctech، من أنّه تمّ إخراجها من السوق بسبب تقديم الأخيرة عروض أقلّ بنسب 30-50%  من منافسيها، وفرض الاتّحاد الأوروبّيّ رسوم مكافحة الإغراق بنسب 36.6% على ماسحات الشحن Nuctech.

وأشار Bos في هذا الصدد من أنّ Nuctech تحافظ على الأسعار منخفضة من خلال التصنيع في أوروبا. ويرجع السبب في ذلك، أنه لا يتعيّن عليهم استيراد بضائع من الولايات المتّحدة أو دول أخرى. فسلسلة التوريد لديهم فعّالة للغاية مع المورّدين المحلّيّين كما ذكر، وهذا هو السبب الرئيسيّ في قدرتهم على المنافسة.

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أطلقت الجمارك النرويجيّة مناقصة لشراء ماسح ضوئيّ جديد للبضائع لنقطة تفتيش الحدود السويديّة. اشتكت شركة منافسة أمريكيّة وشركتان أخريان من أنّ الشروط كما هي مكتوبة أعطت Nuctech ميزة. وعلى موجب هذه الشكوة، تمّت إعادة كتابة المواصفات، لكن رغم ذلك فازت Nuctech بالصفقة.

وعلّق Jostein Engen مدير المشتريات في وكالة الجمارك قائلًا: إنّ الشركة الصينيّة تغلّبت على منافسيها من حيث السعر والجودة، يجب علينا في الجمارك النرويجيّة أن نتعامل مع Nuctech مثل أيّ شخص آخر في المنافسة. ولا يمكننا فعل أيّ شيء آخر باتّباع قواعد الاتّحاد الأوروبّيّ بشأن المناقصات العامّة.

وتجدر الإشارة أنّ أربع دول من أصل خمس دول أعضاء في الناتو على الحدود مع روسيا – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، قاموا بشراء معدّات Nuctech لمعابرها الحدوديّة مع روسيا وفنلندا.

تزايد المخاوف

أسقطت السلطات الكنديّة عرضًا دائمًا من Nuctech لتوفير معدّات مسح بالأشعّة السينيّة في أكثر من 170 بعثة دبلوماسيّة كنديّة حول العالم بعد أن وجد تقييم حكوميّ “تهديدًا متزايدًا” للتجسّس.

وكما منعت ليتوانيا المتورّطة في نزاع دبلوماسيّ مع الصين بشأن تايوان، Nuctech من توفير ماسحات ضوئيّة للمطار في وقت سابق من هذا العام بعد أن وجدت مراجعة للأمن القوميّ أنّه لم يكن من الممكن للمعدّات أن تعمل بمعزل عن الصين وذكر Margiris Abukevicius نائب وزير التعاون الدوليّ والأمن السيبرانيّ في وزارة الدفاع الوطنيّ الليتوانيّة، أنّه كان هناك مخاوف من خطر تسرّب المعلومات إلى الصين.

وبعد بضعة أشهر وافقت ليتوانيا على صفقة لجهاز مسح ضوئيّ Nuctech على حدودها مع بيلاروسيا. ويرجع السبب أنه كان هناك اثنان فقط من مقدّمي العروض، شركة Nuctech وشركة روسيّة أخرى.

وتحدّث Abukevicius عن سبب الموافقة، إنّه مجرّد قرار خاصّ بالاختيار بين الخيارات السيّئة والأسوأ. وأضاف أنّ الحكومة تعمل على تطوير خارطة طريق لاستبدال جميع ماسحات Nuctech المستخدمة حاليًّا في ليتوانيا بالإضافة إلى إطار قانونيّ لحظر شراء المعدّات غير الموثوق بها من قبل المؤسّسات الحكوميّة وفي القطاعات الحيويّة.

ماسحات Nuctech الأمنية في محطة قطار بروكسل في 17 يناير 2022 – المصدر: Associated press

شركة Nuctech المعقّدة

في عام 2018 افتتحت Nuctech مصنعًا في بولندا يحمل شعار “مصمّم في الصين ومصنع في أوروبا”. ولكن في واقع الحال إنّ إدارة الشركة تقع بعيدًا عن وارسو، فهيكل ملكيّة Nuctech معقّد للغاية لدرجة أنّه قد يكون من الصعب على الغرباء فهم الخطوط الحقيقيّة للتأثير والمساءلة.

فكّر فيما إذا تمّ عكس الأدوار. إذا كان الصينيّون يحصلون على هذه المعدّات لمطاراتهم، فإنّهم سيطلبون مجموعة متنوّعة من الضمانات. وبناء على ذلك أطلقت الصين حملة للاكتفاء الذاتيّ عالية التقنيّة لأنّهم لا يشعرون بالأمان مع التكنولوجيا الأجنبيّة في سلسلة التوريد الخاصّة بهم.

Scott Kennedy خبير السياسة الاقتصاديّة الصينيّة في مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة في واشنطن

تأسّست Nuctech كفرع من جامعة Tsinghua، جامعة أبحاث عامّة راقية في بكّين. نمت بدعم من الحكومة الصينيّة وعلى مدى سنوات كان يديرها نجل الزعيم السابق للصين هو جينتاو.

قامت شركة Datenna وهي شركة استخبارات اقتصاديّة هولنديّة تركّز على الصين، بتعيين هيكل ملكيّة Nuctech ووجدت عشرات الكيانات الرئيسيّة عبر أربع طبقات من الأسهم، بما في ذلك أربع شركات مملوكة للدولة وثلاثة كيانات حكوميّة.

في الوقت الراهن المساهم الأكبر في Nuctech هي شركة Tongfang، الّتي تمتلك 71% من الأسهم. وشركة Tongfang بدورها هي الذراع الاستثماريّ لشركة الصين الوطنيّة النوويّة (CNNC)، وهي تكتل للطاقة والدفاع تديره الدولة ويديره مجلس الدولة الصينيّ. وتصنّف وزارة الدفاع الأمريكيّة CNNC على أنّها شركة عسكريّة صينيّة لأنّها تشارك التقنيّات والخبرات المتقدّمة مع جيش التحرير الشعبيّ.

وفقًا لمنصّة معلومات الشركات الصينيّة Qichacha، فإنّ شركة الصين الوطنيّة النوويّة تمتلك 21% من Nuctech. كما أنّهم يتشاركون في الموظّفين: فتشين شوتانغ عضو مجموعة قيادة الحزب التابعة لشركة الصين الوطنيّة النوويّة وكبير محاسبين الشركة يعمل كمدير للصندوق لدى Nuctech.

في المقابل تؤكّد Nuctech أنّ عمليّاتها تتشكّل من خلال قوى السوق، وليس السياسة، وتقول إنّ شركة الصين الوطنيّة النوويّة لا تتحكّم في إدارة الشركة أو صنع القرار.

نحن مشغّل تجاريّ عاديّ هنا في أوروبا وعلينا الامتثال للقوانين. نحن نعمل هنا مع موظّفين محلّيّين، وندفع الضرائب، ونساهم في المجتمع الاجتماعيّ ولدينا موردون محليون.

Robert Bos نائب المدير العامّ لشركة Nuctech في هولندا

في عهد شي جين بينغ، يتمّ دمج عناصر الأمن القوميّ للدولة مع الأبعاد التكنولوجيّة والابتكاريّة للدولة.

والاندماج العسكريّ والمدنيّ هو أحد ساحات القتال الرئيسيّة بين الولايات المتّحدة والصين. وسيتعيّن على الأوروبّيّين تحديد موقفهم.

Tai Ming Cheung الأستاذ في كلّيّة السياسات والاستراتيجيّات العالميّة بجامعة كاليفورنيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات