استمع إلى المقال

عندما استثمرت شركة “مايكروسوفت” مليار دولار للمرة الأولى في شركة “OpenAI” في عام 2019، لم تحظَ الصفقة باهتمام كبير، حيث كان سوق الشركات الناشئة نشطا للغاية، وكان الذكاء الصنعي أحد المجالات العديدة التي جذبت التقييمات الضخمة، إلى جانب المركبات الكهربائية واللوجستيات المتقدمة والفضاء.

الشراكة بين “مايكروسوفت” و”OpenAI” هدفت إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنشاء حلول ذكاء صنعي جديدة يمكن أن تفيد الشركات والأفراد على حد سواء. 

كجزء من الشراكة، اتفقت الشركتان على التعاون في العديد من المبادرات، بما في ذلك تطوير نماذج وخوارزميات جديدة للذكاء الصنعي، وإنشاء منتجات وخدمات مدعومة بالذكاء الصنعي، ودمج تقنية “OpenAI” في منصة “أزور” للحوسبة السحابية.

بعد 3 سنوات، يبدو السوق مختلف بشكل كلي، إذ تراجع تمويل الشركات الناشئة في أعقاب انهيار السوق العامة لشركات التكنولوجيا العالية النمو والخاسرة. 

الاستثناء الوحيد كان الذكاء الصنعي، وخاصة الذكاء الصنعي التوليدي، الذي يشير إلى التقنيات التي تركز على إنتاج نص آلي واستجابات مرئية وصوتية.

لا توجد شركة خاصة أكثر أهمية في الوقت الحالي من شركة “OpenAI”، حيث قدمت الشركة الناشئة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر “ChatGPT”، وهو روبوت دردشة انتشر بسرعة بفضل قدرته على صياغة ردود شبيهة بالبشر على استفسارات المستخدمين حول أي موضوع.

نتيجة لذلك، أصبح استثمار “مايكروسوفت” الذي لم يكن تحت المراقبة في السابق موضوع رئيسي للنقاش، سواء في دوائر المشاريع أو بين المساهمين العامين، الذين يحاولون معرفة ما يعنيه ذلك بالنسبة للقيمة المحتملة للأسهم. 

الاستثمار التراكمي لشركة “مايكروسوفت” في “OpenAI” تضخم إلى 13 مليار دولار، وبلغ تقييم الشركة الناشئة نحو 29 مليار دولار.

قد يهمك: هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على “جوجل” مجددا؟

استثمارات “مايكروسوفت” في “OpenAI”

“OpenAI” تأسست في عام 2015 كمنظمة غير ربحية، لكن تغيرت الهيكلية في عام 2019 بعد نشر تدوينة تعلن فيها المنظمة عن تكوين كيان “ربحي محدود” يسمى “OpenAI LP”. 

الهيكل الحالي للمنظمة يقيد المستثمرين الأوائل في الشركة الناشئة من جني أموالهم بأكثر من 100 ضعف، مع عوائد أقل للمستثمرين اللاحقين، مثل “مايكروسوفت”، التي تحصل، بعد سداد استثماراتها، على نسبة مئوية من أرباح “OpenAI LP” تصل إلى الحد الأقصى المتفق عليه، مع تحويل الباقي إلى الهيئة غير الربحية. 

جريج بروكمان، أحد مؤسسي “OpenAI”، أوضح في عام 2019 أن النظام يتناسب مع ما يمكن للمستثمرين تحقيقه من الاستثمار في شركة ناشئة ناجحة جدا، وأضاف، إذا نجحت “OpenAI”، فإنها قادرة على تحقيق مكاسب بقيمة أكبر من أي شركة حتى الآن، وتستفيد “مايكروسوفت” من هذا بصفتها مستثمر رئيسي في “OpenAI”.

هذا النموذج غير مألوف في وادي السيليكون، حيث لطالما كان تعظيم العوائد يمثل أولوية لمجتمع المشروع. 

كما أنه غير منطقي بالنسبة لشخص مثل إيلون ماسك، الذي كان أحد مؤسسي “OpenAI” وداعميها الأوائل، والذي غرد عدة مرات هذا العام عن مخاوفه بشأن هيكلية “OpenAI” غير التقليدية وآثارها في الذكاء الصنعي، لا سيما بالنظر إلى مستوى ملكية “مايكروسوفت”.

في شهر شباط/فبراير كتب ماسك تغريدة تقول، تأسست OpenAI كشركة مفتوحة المصدر غير ربحية “وهذا هو السبب في أنني أطلقت عليها اسم الذكاء الصنعي المفتوح”، بحيث تكون بمثابة ثقل موازن لشركة “جوجل”، لكنها أصبحت الآن شركة مغلقة المصدر وتسعى لتحقيق أقصى قدر من الربح وتتحكم فيها “مايكروسوفت” بشكل فعال.

بصرف النظر عن استثماراتها، فإن الاعتماد على “OpenAI” يساعد “مايكروسوفت” في عكس مسار استثماراتها بشكل كبير في مجال الذكاء الصنعي، حيث تعثرت ولم تبني نشاط تجاري مفيد بمفردها. 

في ظل الفشل، أوقفت “مايكروسوفت” مساعد “Clippy” من “Word” ومساعد “كورتانا” الصوتي من شريط مهام ويندوز وروبوتها للدردشة المسمى “Tay” من “تويتر”

على عكس مجالات مثل الإعلان أو الأمان، لم تكشف “مايكروسوفت” عن حجم أعمالها في مجال الذكاء الصنعي، بالرغم من أن الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا قال في شهر تشرين الأول/أكتوبر إن الإيرادات من خدمة “أزور لتعلم الآلة” قد تضاعفت لأربعة أرباع متتالية.

من الواضح أن التعاون مع “OpenAI” منح ساتيا ناديلا القدرة على الحديث بفخر بشأن مشاركة الشركة في مجال الذكاء الصنعي، حيث قال في شهر كانون الأول/ديسمبر، جرى تدريب “ChatGPT”، الذي يُعدّ اليوم أحد أكثر تطبيقات الذكاء الصنعي شيوعا، عبر حاسب “أزور” العملاق”.

في شهر شباط/فبراير، عقدت “مايكروسوفت” حدثاً صحفيا في مقرها الرئيسي في ريدموند للإعلان عن تحديثات جديدة مدعومة بالذكاء الصنعي لمحرك بحث “Bing” ومتصفح إيدج، حيث كان الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI” سام ألتمان أحد المتحدثين المميزين، إذ تمتلك “مايكروسوفت” ترخيصًا حصريًا لـ “GPT-4” وجميع نماذج “OpenAI” الأخرى.

قد يهمك: إدراج “ChatGPT” في محرك بحث “مايكروسوفت” رسميا.. هل يمنحه الشعبية؟

هل حصلت “مايكروسوفت” على ميزة ملحوظة؟

التساؤلات تدور حول ما إذا كانت الشراكة بين “OpenAI” و “مايكروسوفت” منحت الأخيرة ميزة ملحوظة،  والجواب المباشر لا، إذ إن هذه الشراكة قدمت منافع متبادلة لكلا الشركتين. 

من جهة حصلت “مايكروسوفت” على إمكانية الوصول إلى أحدث أبحاث “OpenAI” وتطويرها في مجال الذكاء الصنعي، بينما حصلت “OpenAI” على إمكانية الوصول إلى موارد “مايكروسوفت” الضخمة وخبرتها في مجال الحوسبة السحابية وتطوير البرامج.

إحدى الميزات البارزة التي اكتسبتها “مايكروسوفت” من هذه الشراكة هي الوصول إلى نماذج وخوارزميات الذكاء الصنعي المتقدمة لشركة “OpenAI”، حيث يمكن دمج هذه النماذج في منتجات وخدمات “مايكروسوفت” لتعزيز قدراتها، مثل تحسين دقة معالجة اللغة الطبيعية والتعرف على الصور. 

بالإضافة إلى ذلك، تمكنت “مايكروسوفت” من دمج تقنية “OpenAI” في منصتها للحوسبة السحابية “أزور”، مما يسمح للعملاء بالاستفادة من إمكانات الذكاء الصنعي المتقدمة هذه في تطبيقاتهم الخاصة.

هذه العلاقة بين الشركتين لا تتعلق بالاستثمار المادي فقط، بل لأن عملاقة البرمجيات أصبحت المزود الحصري لقوة الحوسبة لأبحاث “OpenAI” ومنتجاتها وواجهات البرمجة للمطورين، إذ تتحمل خوادم “مايكروسوفت” السحابية أعباء ضخمة نتيجة لرغبة الشركات الناشئة والكبرى بدمج منتجاتها مع “OpenAI”.

علاوة على ذلك، تمكنت “مايكروسوفت” من الاستفادة من خبرة “OpenAI” في البحث والتطوير لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الصنعي. يتضمن ذلك تطوير نماذج وخوارزميات جديدة للذكاء الصنعي قادرة على التعامل مع مهام أكثر تعقيدا وتقدما.

في ظل تطلع “مايكروسوفت” إلى دمج التكنولوجيا في برامج المبيعات والتسويق ومحركها للبحث “Bing” وأدوات البرمجة “GitHub” وحزمة الإنتاجية “Microsoft 365” وسحابة “أزور”، فإنها تنظر إلى جلب نحو 30 مليار دولار من الإيرادات السنوية الجديدة، نصفها تقريبًا من “أزور”.

كوين سلاك، الرئيس التنفيذي لشركة “Source Graph” الناشئة للبحث عن التعليمات البرمجية، قال إنه لم يرَ دليل على أن شراكة “OpenAI” أعطت “مايكروسوفت” ميزة ملحوظة. كما أشار إلى أنه لا يجب النظر إلى “مايكروسوفت” على أنها مالكة أو متحكمة في “OpenAI”، بل تسعى الشركتان لبناء التكنولوجيا وجعلها مستخدمة على نطاق واسع قدر الإمكان.

باختصار، قدمت الشراكة بين “مايكروسوفت” و “OpenAI” فوائد كبيرة لكلتا الشركتين ومكّنتهما من تطوير قدراتهما في مجال الذكاء الصنعي بطرق مبتكرة. 

في حين أنه من الصعب تحديد الميزة الدقيقة التي اكتسبتها “مايكروسوفت” من هذه الشراكة، فمن الواضح أن التعاون ساعد الشركة على البقاء في طليعة ابتكارات الذكاء الصنعي وتقديم منتجات وخدمات أكثر تقدم مدعومة بالذكاء الصنعي لعملائها.

في الخاتمة، التعاون بين الشركتين بدأ في عام 2019 عبر استثمار بقيمة مليار دولار مع الاتفاق على تطوير تقنيات الذكاء الصنعي المتقدمة معا، كما تعاونت الشركتان في مجال تطوير أنظمة تشغيل تعتمد على الذكاء الصنعي، ومن المعروف كذلك أن “OpenAI” استخدمت خدمات “أزور” السحابية في بعض مشاريعها، وقدمت “مايكروسوفت” الدعم الفني والتقني للشركة في هذه المشاريع.

بشكل عام، يمكن القول أن “مايكروسوفت” و”OpenAI” تعاونتا في العديد من المجالات المتعلقة بالذكاء الصنعي، وتسعيان سوية إلى تطوير تقنيات وحلول تعتمد على هذه التقنية المتطورة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات