استمع إلى المقال

خلال العقود الماضية عهدنا أن نرى التكنولوجيا بجميع تفرعاتها في المجالات الصناعية والعملية فقط، وبعيدة كل البعد عما يحاكي المشاعر الإنسانية من موسيقى وشعر وفن، أو أن تتدخل في تعبير الإنسان عن نفسه أو ترجمة أحاسيسه أو إيصال رسالة ما للمجتمع المحيط به.

لكن ما نشهده اليوم من تسارع في وتيرة تطوير وتحديث عشرات القطاعات عن طريق تضمين التكنولوجيا في ادق تفاصيلها، يثبت أنه لا حدود ولا حواجز للمجالات التي تقتحمها التكنولوجيا.

الفن على سبيل المثال، يعد من المجالات الحديثة التي بدأت التكنولوجيا باقتحامها وذلك عبر إعادة تشكيل الفن الحديث، وتزويد المبدعين والفنانين بالعديد من الطرق التي تساعدهم في التعبير عن أنفسهم بشكل أبسط من ذي قبل، عبر تسخير العديد من التقنيات المختلفة للوصول إلى ذروة الإبداع لديهم.

أجهزة الرسم اللوحية

من بين تلك التقنيات، اجهزة الرسم الحديثة، إذ تحظى في الوقت الراهن بإقبال واسعمن قبل الفنانين والمصممين، وذلك بسبب ما تقدمه لهم من توفير كبير للوقت، بالإضافة إلى إمكانية محو الأخطاء بسهولة وإجراء التصحيحات دون إفساد الرسم، كما كان في السابق لدى استخدام الورق والألوان للرسم.

جهاز الرسم اللوحة يمكن اعتباره أداة أساسية بالنسبة للفنان الرقمي، حيث أن استخدام فأرة الكمبيوتر غير فعال في العديد من الأوقات، بالأخص عند رسم أنماط معقدة تحتاج إلى التركيز على العديد من التفاصيل، وذلك بالإضافة إلى أن للفأرة حساسية ضغط ضعيفة وهذه نقطة هامة جدا في الفن الرقمي، فبعض أقلام الأجهزة اللوحية قادرةعلى تغيير تباين الألوان عن طريق زيادة الضغط أو تقليله.

أجهزة الرسم اللوحية تمنح المستخدم التحكم الكامل بشكل يشعر الفنان أنه يرسم بأقلام حقيقية، وتأتي بنوعين مختلفين، بعضها يأتي مع شاشة مرفقة وتدعى “جهاز عرض لوحي”، وبعضها الآخر بدون شاشة عرض ضمن الجهاز، يتم توصيلها على الكمبيوتر، ورغم إن كلاهما قادر على صنع أعمال فنية احترافية، لكن عادة فإن الأجهزة التي تأتي مع شاشة تكون أغلى ثمنا.

شاشات حديثة

قسم من عملية الرسم الرقمي، يدور حول انتقاء الألوان الصحيحة ومزجها بشكل دقيق، ولضمان سلامة هذه العملية يمكن للفنان استخدام شاشات تعرض الألوان بدقة ووضوح، بالإضافة إلى ضرورة عرض الشاشة زاوية مشاهدة جيدة، حيث أن مستويات السطوع والتباين السيئة تؤدي عادة إلى أعمال فنية رديئة الجودة

أجهزة اختصارات الرسم

من المعروف لدى أي فنان أهمية اختصارات لوحة المفاتيح، بالأخص الذين يتعاملون مع تطبيقات الرسم والتصاميم، فهي توفر وصولا سهلا إلى الوظائف التي عادة ما تكون مخبأة تحت مجموعة من القوائم الفرعية.

لكن لوحات المفاتيح التقليدية التي نستخدمها جميعا، غير قابلة للتعديل على مهام الأزرار، وبالتالي يبقى الفنان مقيدا بمجموعة الاختصارات المفروضة عليه، لذلك يستخدم معظم الفنانين لوحة مفاتيح إضافية جنبا إلى جنب مع الكمبيوتر اللوحي.

أجهزة اختصارات الرسم هي عبارة عن أجهزة تحكم عن بعد تتضمن أزرار قابلة للبرمجة، وتكمن فائدتها عند وجود بعض الوظائف التي يتم استخدامها بشكل دوري مثل التراجع والتدوير أو التبديل بين الأدوات أو تغيير حجم الفرشاة، حيث أن الأزرار والأقراص الموجودة على هذه الأجهزة يمكن تخصيصها بالكامل لتوفير الوقت والجهد على الفنان ولجعل عملية الرسم ككل أكثر سلاسة.

الذكاء الصنعي

مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الاخبار العالمية ضجت في الآونة الأخيرة، بخبر فوز الفنان “جيسون آلن” صاحب لوحة “Space Opera Theatre” في المسابقة الفنية السنوية لمعرض ولاية كولورادو، والتي تم توليدها بواسطة الذكاء الصنعي، وأيضا خبر تصميم لوحة “Portrait of Edmond Belamy”، والتي هي أيضا قطعة فنية مولدة بتقنيات الذكاء الصنعي ليتم بيعها لاحقا في مزاد بقيمة تقارب الـ 432 ألف دولار أميركي.

قد يهمك: “تكنولوجيا الخير”.. أهمية التقنية في مساندة “ذوي الإعاقة البصرية”

الروبوتات

الروبوتات أيضا لديها تأثير هام على الفن، لكن هناك روبوتات تختلف من حيث تعقيدها عن الروبوتات الصغيرة التي ترسم خطوطا ملونة تبعا لتعليمات واضحة موضوعة من قبل فنانين. هذه الروبوتات قادرة على العمل لوحدها بشكل يمكنها تقليد البشر في إنشاء القطع الفنية.

خير مثال على تسخير الروبوتات في المجال الفني، روبوت “Vertwalker”، وهو روبوت خفيف الوزن يمكنه المشي على الأسطح العامودية، قام ببنائه الفنانان جوليان أديناور ومايكل هاس بمواد مطبوعة ثلاثية الأبعاد.

المصدر: techcrunch

الروبوت يتحرك على لوحة بيضاء ليترك خطوطا وآثارا ملونة، وهذه القطعة الفنية مثبتة على جدار معرض برلين وتتغير كل يوم، حيث يستمر الروبوت في التحرك وإضافة المزيد والمزيد من الألوان والأنماط إلى اللوحة.

الواقع الافتراضي

صناعات الألعاب والترفيه كانت الأكثر استفادة من تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وسرعان ما ساهم الفنانون والمبدعون في تطوير هذه التقنية، ومن أحد التطبيقات الفنية لهذه التقنية هو تطبيق “Tilt Brush” الخاص بشركة “جوجل” الذي يسمح للفنانين بالانغماس بأعمالهم الفنية وعرضها من زوايا مختلفة في بيئة ثلاثية الأبعاد خصبة للإبداع.

الفن إلى أين؟

كل ما تم ذكره هي أدوات تساعد في عملية المصالحة بين التكنولوجيا والإبداع والفن، وأسهمت بدعم الفنون وإبداعات الفنانين والمصممين، وسهلت إظهارها للعالم، ولكن هل هي قادرة على فرض الإبداع على كل منتجاتها أو على من يستخدم هذه الأدوات.

للإجابة عن هذا السؤال وبعض الاستفسارات الأخرى، أسهب الفنان الكاريكاتيري دجوار ابراهيم، في حديث خاص لموقع ” إكسڤار” عن تجربته الشخصية في الانتقال من الرسم التقليدي إلى استخدام الأدوات المساعدة المدعومة بالتقنيات الحديثة

بحكم عمله كرسام كاريكاتير، يقول إبراهيم، “شهدت دخول التكنولوجيا رويدا رويدا الى عالم رسم الكاريكاتير، وبطبيعة الحال بدأت انا أيضا باللجوء إلى بعض هذه التقنيات المتوفرة، وأصبحت أقوم بالرسم مستعينا بالأجهزة اللوحية والقلم الإلكتروني، وبالحقيقة قدمت لي هذه الادوات مميزات مذهلة من جوانب مختلفة، منها الوقت والجهد والدقة وهذا كان له تأثير ايجابي على عملي كرسام كاريكاتير”.

ليس ذلك فحسب، بل توفير المال بشراء ألوان ولوحات الرسم ومحاولة تصويرها بدقة عالية، كل هذه التفاصيل وأكثر وفرتها التكنولوجيا عن طريق الرسم الالكتروني، وبالتحديد الرسم على الأجهزة اللوحية والقلم الالكتروني.

” بلا شك كأي تقنية في بادئ الامر تكون باهظة الثمن وتبدأ الأسعار بالانخفاض مع مرور الوقت، وهذا ما قد يحرم الكثير من المصممين والفنانين من اقتناء هذه الأدوات، هذا بخلاف استمرار الشركات في تطوير منتجاتها وزيادة مواصفاتها التقنية”، يقول إبراهيم، ويضيف بأن الشركات الصينية توفر مواصفات لا بأس بها بأسعار معتدلة، ولكن لن تكون بنفس المواصفات والجودة لمنتج الشركات الاوروبية او اليابانية والأميركية.

قد يهمك: تقنية “التوأم الرقمي”.. كيف تتنبأ بسلوكيات المستقبل؟

اختيار التطبيقات

بالرغم من انتشار عدد لا بأس به من برامج الرسم ولكن يبقى التذوق والمزاج للفنان هو العامل الأهم لاختياره تطبيق الرسم الذي يريحه ويقدم امتيازات تساعده على العمل بشكل أكثر سلاسة، وبهذا الشكل تكون التكنولوجيا سواء “سوفت وير” أو “هارد وير”، قد قدمت حقبة جديدة تماما للفن وبالتحديد لرسام الكاريكاتير وحسنت دقة الأعمال الكاريكاتيرية في ظل انتشار الأجهزة الحديثة، والتي تلعب الدقة فيها دورا أساسيا، بحسب رأي إبراهيم.

الموهبة والتكنولوجيا

فيما يخص دور التكنولوجيا من أدوات وذكاء صنعي وما إلى ذلك في إغناء الموهبة والإبداع، يؤكد الفنان الكاريكاتيري دجوار إبراهيم، أنه بالرغم من تدخل التقنية والذكاء الصنعي في عالم الفن بشكل عام، تبقى هناك حلقة مفقودة في التكنولوجيا لن تستطيع الوصول لها، وهي الفكر الابداعي والإنتاج النابع من العقل البشري.

بالمحصلة، لن تستطيع التقنية ولو على المدى الزمني المنظور فعل ما يفعله العقل البشري، حيث ان الذكاء الصنعي لن يستطيع عمل كاريكاتيرات فيها فكرة أو مغزى ضمن لوحة ما؛ لأن ذلك بحاجة إلى ابداع من العقل البشري لن تستطيع التقنية تولديه مهما كانت متقدمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.