استمع إلى المقال

جميعنا نراقب سرعة نموّ التكنولوجيا وزيادة كفاءة الأجهزة من حولنا، فلدينا هواتف وأجهزة لوحيّة وحتّى أجهزة كمبيوتر محمولة يمكنها العمل طوال اليوم بشحنة واحدة، بالإضافة إلى تطوّر الاتّصالات مثل Wi-Fi 6 و5G، ودخول التكنولوجيا منازلنا، من برّادات وغسّالات وتلفاز ومكانس ذكيّة.

كلّ هذه التطوّرات والتحسينات قد تعني أيضًا أنّ المبيعات يمكن أن تتعرّض للركود، وذلك بسبب أنّ المستهلكين سيقوم بشراء أجهزة جديدة بمعدّل أقلّ، من هنا انتهجت الشركات المصنّعة استراتيجيّة التقادم المخطّط، لجعل المنتجات قديمة بشكل مصطنع لحثّ المستهلك شراء والجري خلف المنتجات الأكثر تطوّرًا وحداثة على نحو دائم.

ما هو التقادم المخطّط؟

هو إستراتيجيّة تجعل المنتجات قديمة بشكل مقصود بحيث تتطلّب عمليّات استبدال متكرّرة، وهذا ما يجبر المستهلكين على إنفاق المزيد من خلال شراء المنتجات على نحو مستمر، وهي السياسة الّذي يستخدمها العديد من مصنّعي التكنولوجيا للتأكّد من أنّهم قادرون على جني الأرباح بصورة مستمرة في كلّ مرّة يطلقون فيها منتجات جديدة.

تاريخ التقادم المخطّط

التقادم المخطّط ليس وليد هذه المرحلة بل يعود إلى بدايات القرن العشرين، ففي عام 1924 وافقت مجموعة دوليّة من مصنعي المصابيح الكهربائيّة تسمّى Phoebus Cartel على الحدّ من العمر الافتراضيّ للمصابيح إلى حوالي 1000 ساعة – أقصر بكثير من المعيار السابق، وفي عام 1927 قدّم رئيس جنرال موتورز ألفريد ب. سلون “التقادم الديناميكيّ” للحفاظ على المبيعات حيث بدأ سوق السيّارات في الوصول إلى نقطة التشبّع، وكشف جنرال موتورز عن أوّل ورشة للتصميم في الصناعة لتعزيز الطلب على أنماط وألوان السيّارات المحدثة، وفي عام 1989 أطلقت صحيفة نيويورك تايمز مصطلح “الموضة السريعة” عند افتتاح متجر زارا الرائد في نيويورك، وفي عام 2001 تمّ طرح جهاز iPod من آبل مع بطّاريّة غير قابلة للاستبدال تدوم حوالي 18 شهرًا فقط، ممّا أثار موجة من الغضب.

طرق التقادم المخطّط

تستخدم الشركات بعض الطرق المختلفة لإحداث التقادم المخطّط ومنها

1- تصنيع نموذج أفضل من المنتج السابق، وهذا يجعل النموذج السابق قديمًا بسبب توفّر إصدارًا أحدث وأفضل مزوّدًا بأحدث التقنيّات، ونرى هذا في معظم الشركات المصنّعة للهواتف الذكيّة الّتي تنتج أجهزة جديدة في كل عام.

2- التصميم المتعمّد للمنتجات لتستمرّ فقط على المدى القصير، فمثلًا لنفترض أنّ شركة تصنيع الهواتف تجعل بطّاريّة الهاتف تدوم لمدّة تصل إلى ثلاث سنوات فقط، وبمجرّد انتهاء فترة الثلاث سنوات، سيضطرّ مالك الهاتف إلى الترقية إلى هاتف ذكيّ جديد، وهذا يضمن أنّ الشركة ستحصل على تدفّق ثابت للمبيعات في المستقبل.

3- التوافق. بمرور الوقت قد لا يعمل الجهاز بشكل صحيح مع أحدث التطبيقات والبرامج، هذا ينطبق على نحو خاص على الشركات المصنّعة الّتي تقوم بإنشاء كلّ من الأجهزة والبرامج، مثل الشركات المصنّعة لوحدات التحكّم في الألعاب، على سبيل المثال، عندما أصدرت Nintendo إصدارًا جديدًا من DS3 بمواصفات تمّت ترقيتها، كانت الألعاب الأكثر حداثة تعمل بشكل أسوأ بصورة ملحوظة في الإصدارات السابقة من 3DS. أجبر هذا المستخدمين على البحث عن إصدارات أحدث من أجل الحصول على تجربة جيّدة.

4- إحدى الطرق هي إيقاف تحديثات البرامج تمامًا، فالهواتف المحمولة الّتي تعمل بنظام أندرويد هي أكبر المتضرّرين من هذه الاستراتيجيّة. فبينما يتمّ تحديث هواتف Pixel من جوجل لفترة طويلة بشكل معقول، فإنّ العديد من الأجهزة من الفئة المتوسّطة في السوق تحصل فقط على ما يصل إلى عامين من تحديثات أندرويد وترقية واحدة رئيسيّة لإصدار نظام أندرويد، وهذا هو سبب عدم وجود العديد من الأجهزة بأحدث إصدار من أندرويد على الإطلاق.

آبل والتقادم المخطّط

قدّمت شركة آبل أحد أشهر الأمثلة على التقادم المخطّط في صناعة التكنولوجيا، ورغم أنّ شركة آبل معروفة بتوفير تحديثات iOS لمدّة خمس سنوات لأجهزتها، ولكن هناك دراسة أجرتها جامعة هارفارد كشفت أنّ بعض تحديثات iOS تسبّبت في انخفاض سرعة معالجة أجهزة آيفون القديمة، وهذا ما تسبّب في حالة من الغضب لدى مستخدمين آبل، فإذا أدّت هذه التحديثات بالفعل إلى إبطاء النماذج القديمة، وقامت بخفض عمر البطّاريّة هذا سيؤدّي لاضطرار المستهلكين إلى ترقية أجهزتهم.

وفي وقت سابق من هذا العام واجهت شركة آبل دعوى قضائيّة جديدة من Deco Proteste، وهي منظّمة خاصّة للمستهلكين في البرتغال، بشأن “التقادم المخطّط” مع آيفون 6 و 6 Plus و 6S و 6S Plus، وتزعم الدعوى أنّ التقادم المخطّط لشركة آبل يجبر المستهلكين على شراء هاتف جديد قبل أن يضطرّوا إلى ذلك.

انتظرت منظّمة حماية المستهلك هذه ثلاث سنوات دون إجابة من آبل في أوروبا قبل رفع هذه الدعوى، وتقوم Deco Proteste بمقاضاة الشركة للدفاع عن 115000 مستخدم آيفون برتغاليّ.

بعد عدّة دعاوى قضائيّة أخرى، أعلنت شركة آبل في عام 2017 أنّها ستخفّض مؤقّتًا سعر استبدال بطّاريّة آيفون ووعدت بتحديث iOS لمعالجة صحّة البطّاريّة.

يزعم البيان الّذي نشرته منظّمة حماية المستهلك الخاصّة من البرتغال أنّ شركة آبل تلاعبت بأداء أشهر أجهزتها مثل آيفون 6 و 6 Plus و 6S و 6S Plus عمدًا، ودون إعلام مستخدميها، وبذلك أجبرت شركة آبل العديد من المستخدمين على استبدال بطّاريّة أجهزتهم أو شراء هاتف ذكيّ جديد.

وفي عام 2020، أمرت المحكمة الإداريّة في روما شركة آبل بدفع غرامة قدرها 10 ملايين يورو، وفي الولايات المتّحدة تمكّنت آبل من تجنّب دعوى قضائيّة بتسوية بمبلغ قدره 113 مليون دولار.

تطرح منظّمة Deco Proteste في هذه الدعوى بأنّ شركة آبل يجب أن تدفع للمستخدمين المتأثّرين لاستبدال البطّاريّة 10% من قيمة آيفون، وهي تعادل 7 ملايين يورو.

أندرويد والتقادم المخطّط

قبل ما يقارب الثلاثة أعوام أصدرت هيئة المنافسة الإيطاليّة غرامات قدرها 10 ملايين يورو و 5 ملايين يورو على التوالي لصانعي الهواتف أبل وسامسونج بعد مراجعة استمرّت شهورًا لشكاوى المستهلكين في البلاد، وكما ذكرت صحيفة The Guardian، فقد وجد تحقيق أنّ تحديثات البرامج المصمّمة لأجهزة آبل وسامسونج الأحدث كان لها تأثير سلبيّ على أداء الهواتف القديمة، ممّا دفع المستخدمين بشكل فعّال نحو استبدال هواتفهم، وجادلت وكالة مكافحة الاحتكار بأنّ الشركات طلبت من العملاء تثبيت أنظمة تشغيل أحدث، ممّا تسبّبت في حدوث أعطال خطيرة وخفض الأداء بشكل كبير، وبالتالي تسريع استبدال الهواتف من قبل المستخدمين، مع تقديم تحذير غير كاف وعدم وجود خيارات لإعادة الهواتف إلى حالتها السابقة.

شركة سامسونج قامت بإبطاء هاتف Galaxy Note 4 (وفي بعض الحالات إعادة تشغيله على نحو عشوائي) بعد التحديث إلى نظام تشغيل أندرويد الجديد حينها الّذي كان مصمّم لهاتف Galaxy Note 7.

في بيان لوسائل الإعلام، أعربت شركة سامسونج عن خيبة أملها من القرار، والّذي تخطّط لتقديم استئناف عليه في المحكمة، وعلّقت قائلة أيضًا “لم تصدر سامسونج أيّ تحديث للبرامج يقلّل من أداء Galaxy Note 4، بل إنّها دائمًا ما تصدر تحديثات برامج تقدّم لعملائنا أفضل تجربة ممكنة.

أنّ التقادم المخطّط الّذي انخرطت فيه شركة سامسونج كان مشابهًا جدًّا لتقادم آبل، حيث أدّت تحديثات البرامج الخاصّة بها إلى أداء أبطأ للهواتف الذكيّة، لم توضّح الشركة أيضًا عمّا سيحصل عليه المستخدم إذا قام بتنزيل التحديثات الجديدة.

وكما أنّ جميع الشركات المصنّعة للهواتف الذكيّة الأخرى الّتي تعمل بنظام أندرويد قد شاركت بشكل من أشكال في التقادم المخطّط أيضًا، وذلك لأنّهم يطلقون نماذج جديدة من نفس المنتج سنويًّا، ويقومون أيضًا بإصدار تحديثات البرامج الرئيسيّة فقط لمدّة تصل إلى ثلاث سنوات، ولن يحصل المستخدمين على أيّ دعم لهاتفهم.

ولا يقتصر التقادم المخطّط على مجرّد تحديثات البرامج، فعلى سبيل المثال، لا تشتمل معظم الهواتف الذكيّة الحديثة على بطّاريّات قابلة للاستبدال مثل تلك الّتي كنّا نراها في الهواتف الذكيّة القديمة، وبمجرّد إنهاء العمر الافتراضيّ لبطّاريّة هاتفك الذكيّ، سيموت هاتفك الذكيّ بالكامل ونحتاج إلى استبداله، هذا هو أحد الأسباب الّتي تجعل متوسّط ​​دورة حياة الهاتف الذكيّ من سنتين إلى ثلاث سنوات فقط.

إجراءات لمكافحة التقادم المخطّط

من الواضح أنّ الربح هو الدافع الأساسيّ للتقادم المخطّط، وتريد الشركات التأكّد من أنّ المنتجات تموت حتّى يضطرّ المستهلكون إلى شراء المنتجات الأكثر تكلفة، وبمجرّد أن تحاصر الشركات المستخدمين داخل نظام محدّد، فمن المرجّح أن يشتري العملاء من نفس العلامة التجاريّة، لذلك برزت عدّة محاولات للحدّ من استراتيجيّة التقادم المخطّط.

ففي عام 2012 ولاية ماساتشوستس تقوم بتمرير قانون حقّ مالكي السيّارات في الإصلاح، الّذي يستهدف صناعة السيّارات، في عام 2020 تمّ إضافة تعديل لسدّ الثغرات الموجودة في القانون الأصليّ.

 وفي عام 2013 تصدر شركة Fairphone الهولنديّة هاتفًا ذكيًّا مستدامًا ومنتجًا بشكل أخلاقيّ وقابل للإصلاح وقابل للترقية.

وفي عام 2017 تقدّم السويد تخفيضًا ضريبيًّا لإصلاح العناصر باهظة الثمن مثل الثلّاجات، ويحصل المستهلكون على نصف تكلفة العمالة في خصم ضريبة الدخل.

وفي 2020 تلتزم شركة إيكيا بالتعميم بنسبة 100% بحلول عام 2030، وبعد فترة وجيزة، تلتزم Target بأن تصبح نشاطًا تجاريًّا دائريًّا بحلول عام 2040.

وفي 2021 مؤشّر قابليّة الإصلاح الفرنسيّ، الّذي يصنّف المنتجات وفقًا لسهولة التثبيت، يدخل حيّز التنفيذ، وكان الهدف هو تحقيق معدّل إصلاح 60 بالمائة للإلكترونيّات في غضون خمس سنوات، يخطّط صانعو السياسات لدمج مؤشّر المتانة بحلول عام 2024 لقياس طول عمر المنتج.

وفي عام 2021 أقرّ مجلس الشيوخ في نيويورك تشريع الحقّ في الإصلاح بدعم ساحق من الحزبين.

وعام 2021 أصدر الرئيس جو بايدن أمرًا تنفيذيًّا يتعلّق بالحقّ في الإصلاح، داعيًا لجنة التجارة الفيدراليّة إلى فرض قواعد على المصنّعين من شأنها أن تمكّن المستهلكين من إصلاح سلعهم الخاصّة.

الضرر البيئيّ

يعدّ الضرر البيئيّ أحد أبشع مفرزات التقادم المخطّط، نظرًا لأنّ الناس يشترون أحدث المنتجات ويتخلّون عن المنتجات القديمة، فإنّنا نواجه مشكلة التعامل مع النفايات الإلكترونيّة.

صحيح أنّ بعض الأشخاص يقومون بإعادة بيع أجهزتهم أو تبادلها مع الشركات المصنّعة من خلال برامج التبادل لإعادة التدوير، ولكن لا تقبّل جميع الشركات المقايضات لإعادة تدوير المنتجات القديمة، وكما أن بعض الأجهزة قديمة جدًّا بحيث لا يمكنك إعادة بيعها في أيّ مكان،

وبناء على ذلك يختار العديد من الأشخاص التخلّص من الأجهزة القديمة، ونتيجة لذلك شهدنا تزايدًا في كمّيّة النفايات الإلكترونيّة في مدافن النفايات، إذ بلغت النفايات الإلكترونيّة العالميّة أكثر من 50 مليون طنّ في عام 2019 وحده، مع اعتبار 20% منها فقط قابلة لإعادة التدوير.

خيار المحرّر:

 من وجهة نظر كاتب التقرير إنّ التقادم المخطّط لا يزال يمثّل مشكلة إلى حدّ كبير، ورغم المحاولات الكثير للحدّ من هذه الاستراتيجيّة من قبل الأفراد أو المنظّمات أو بعض الحكومات، فمثلًا شركة آبل وأمازون لديهم برنامج لتبادل المنتجات لإعادة التدوير، ولكنّ هذا لا يكفي لأنّه لا يمكن إعادة تدوير سوى جزء صغير من الأجهزة القديمة، فعلينا أن نكون حذرين لدى شراء المنتجات الّتي ستصبح قريبًا غير مدعومة وقديمة، ونتأكّد من دورة حياة المنتج بالكامل عند التسوّق لشراء الأدوات، والبحث قدر الإمكان عن المنتجات الّتي يسهّل إصلاحها وترقيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.