استمع إلى المقال

الأثر الذي يتركه التعدين كان ولازال أحد أهم الانتقادات التي تتعرض لها منظومة تعدين العملات الرقمية عبر أجهزة التعدين الخاصة وبطاقات الشاشة، وذلك لأن التعدين في جوهره يتطلب استهلاك طاقة مرتفع ومستمر، مما يزيد من استهلاك الكهرباء المنتجة من محطات توليد الكهرباء التي تعتمد غالبا على الوقود الأحفوري. 

هذا الأثر جسّد عقبة أمام الكثير من الحكومات والشركات لتبني التعدين بصورة رسمية خاصة مع تزايد الوعي البيئي والسعي وراء مجتمع أخضر لا يترك أثرا كربونيا، وهو الأمر الذي دفع منظمة “الإيثيريوم” للإبتعاد عن التعدين عبر إثبات العمل “PoC” والانتقال إلى التعدين عبر إثبات الملكية “PoS”، ولكن هل كان هذا الانتقال هو الطريقة الوحيدة لتقليل أثر تعدين “الإيثيريوم”. 

حملة قامت بها الشرطة الكازاخستانية على مزارع التعدين بالدولة أدت إلى نزوح المعدّنينَ منها بسبب ازدياد القيود التي وضعتها الدولة على أنشطة التعدين المختلفة. هذا النزوح أدى إلى انقلاب معايير استهلاك التعدين للطاقة حول العالم، إذ ارتفعت نسبة عمليات “التعدين الأخضر” لتتغلب على ذلك الذي يستخدم الوقود الأحفوري المعتاد. 

قد يهمك أيضا: العملات المشفرة.. ملاذ لبعض اللبنانيين في أزمتهم الاقتصادية؟

ماهو التعدين الأخضر؟ 

مفهوم التعدين الأخضر قد لا يكون معروفا للكثيرين حول العالم أو لغير العاملين في مجال التعدين بشكل عام، إذ يُعد مفهوما حديثا، ولكن التأثير الذي تركته حملة السلطات الكازاخستانية على معدل استخدامه تشير إلى وجوده وبقوة، حيث وصل بعدها معدل التعدين بدون انبعاثات إلى 52.2 بالمئة من إجمالي عمليات التعدين حول العالم. 

الفكرة وراء التعدين دون انبعاثات هو أن تعتمد على مصدر طاقة نظيفة لتزويد مزرعتك بالطاقة اللازمة لإجراء عمليات التعدين المختلفة، وذلك دون تحديد مصدر هذه الطاقة سواء كان من الرياح أو من المياه أو حتى من الطاقة النووية وألواح الطاقة الشمسية. 

الخطوات التي تتخذها مزارع وشركات التعدين في التحول إلى الطاقة الخضراء تُعد أسرع من غيرها من الشركات التقنية مثل السيارات أو الطائرات، وذلك لأن معدل استهلاك التعدين للطاقة وكذلك الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه لطالما كانت محط هجوم عالمي. 

 كازاخستان كانت تُعد الدولة رقم 2 في العالم من ناحية عدد المعدّنين بسبب انخفاض تكلفة الطاقة هناك وإرخاء القوانين المحلية، حيث كانت تنتج بمفردها أكثر من 18 بالمئة من إجمالي معدل التجزئة “hash rate” لعمليات التعدين العالمية، وجعلها ذلك تستهلك أكثر من 176 مليار كيلوواط/ ساعة في العام الماضي، ولكن الكارثة من هذا الاستهلاك أن الدولة تعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة وبشكل رئيسي الفحم بمعدل يزيد عن 67 بالمئة و17 بالمئة للغاز، مما يجعل الدولة تعتمد على الوقود الأحفوري في أكثر من 84 بالمئة من إجمالي إنتاجها للطاقة. 

نزوح المعدّنين إلى خارج الدولة سيجعل استهلاكها من الطاقة ينخفض وبالتالي خفض معدلات استخدام الوقود الأحفوري بها، مما يؤثر إيجابا على البيئة في المستقبل القريب. 

قد يهمك أيضا: اختراق سحابة جوجل من أجل التعدين وتسللات روسية وكورية.. جوجل تكشف عن أبرز الاختراقات الأمنية لهذا العام

أنواع مختلفة من الطاقة النظيفة للتعدين 

التعدين عبر استخدام مصادر الطاقة المستدامة والمتجددة أصبح أحدث الصيحات في عالم التعدين،و هو الأمر الذي جعل الكثير من الشركات تتجه إليه مباشرة وتبدأ بالترويج له، وخاصة في الدول التي تمتلك وفرة من الموارد الطبيعية القادرة على إنتاج الطاقة بشكل مستدام. 

في ملاوي قامت مجموعة من المعدنين ببناء شبكة طاقة كاملة في إحدى القرى عبر الاعتماد على الطاقة الكهرومائية التي تتولد من شلالات المياه والمياه الجارية بشكل عام، وهذه الشبكة ساهمت في تطوير مجتمع محلي محيط بمزرعة التعدين، حيث استفاد هذا المجتمع من الطاقة الكهربائية الزائدة عن المزرعة، كما خلقت المزرعة مجموعة من الوظائف المتنوعة في المنطقة المحيطة بها. 

مشروع “CryObo” في الإمارات قرر الاعتماد على الطاقة الكهربائية الناتجة عن الألواح الشمسية في صحاري دبي من أجل توليد الطاقة اللازمة لتشغيل مزارع التعدين الخاصة به، ورغم أن المشروع تابع لإحدى شركات “البلوك تشين” في المنطقة، إلا أنه يعد خطوة أولى في مستقبل استخدام الطاقة النظيفة في التعدين بدبي. 

الطاقة النووية أيضا ليست بعيدة عن المساعدة في عمليات التعدين، إذ سعت شركة “Cumulus Data” لبناء مركز بيانات بالقرب من محطة بنسلفانيا النووية من أجل الاستفادة من الطاقة الناتجة منها، وتخطط الشركة في العام الجاري لاستقبال مزارع التعدين ضمنها. 

الخطوة التي اتخذتها “إيثيريوم” تُعد الأهم في مساعي التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة وتقليل البصمة الكربونية للتعدين، وذلك لكونها ثاني أكبر عملة في العالم بعد “بيتكوين”، وهو ما جنت المنظمة ثماره مع مطلع عام 2023 وبعد حدوث “Merge” مباشرة، إذ انخفض استهلاك “الإيثيروم” للطاقة ليصل إلى 0.01 تيراوات ساعة، وذلك بينما يستهلك “البيتكوين” 70 تيراوات ساعة متخطيا بذلك استهلاك الجزائر كدولة ومماثل لاستهلاك التشيك. 

قد يهمك أيضا: شرعية التعدين في الشرق الأوسط

أثر “البيتكوين” البيئي 

عمليات تعدين “البيتكوين” تترك ورائها أكثر من 40 كيلو طن من النفايات الإلكترونية كل عام، وذلك إلى جانب إنتاج أكثر من 65 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون “CO2”. 

الاستهلاك الذي تتركه عملية تعدين الـ “بيتكوين” يقارن بنصف مراكز البيانات في العالم أجمع وأكثر من شركات تقنية ضخمة مثل “مايكروسوفت”، وذلك دون أن يكون حجم المتعاملين أو المستفيدين من هذا المجال مثل حجم هذه الشركات أو حتى يقترب منها. 

السعي لإيجاد حلول مستدامة وصديقة للبيئة من أجل إنتاج “البيتكوين” لم يعد مجرد رفاهية من أجل تحسين صورة العملة الرقمية، بل أصبح ضرورة من أجل حماية الكوكب وتقليل الأضرار والتأثيرات البيئية. 

حكومات العالم تدرك هذه المخاطر جيدا ولذلك تسعى لتقنين عمليات التعدين ومحاولة السيطرة عليها، وذلك قبل حظرها تماما، وهو ما ظهر بوضوح في خطاب “البنك المركزي” الأوروبي في تموز/ يوليو الماضي، إذ استبعد أن تحاول السلطات الأوروبية الاستثمار في العملات الرقمية ورجح إمكانية حظرها تماما. 

أميركا أيضا لم تترك الأمر يمر مرور الكرام، وهو ما حدث في نيويورك التي قد تصدر قوانين جديدة تحظر استخدام الوقود الأحفوري في التعدين الرقمي، وهو ما ظهر بوضوح أثناء محاولة المعدّنين الحصول على رخص تشغيل جديدة. 

المعدنون يدركون ذلك أيضا وتحاول الكثير من العملات الرقمية إصلاح هذه المشكلة وحلها تماما، وهو ما أنتج معاهدة المناخ والعملات الرقمية في عام 2021، حيث تعهدت أكثر من 200 عملة رقمية بخفض الإنبعاثات الكربونية الناتجة عن عمليات التعدين والوصول إلى “صفر انبعاثات” بحلول عام 2030 القادم. 

المنظمات المسؤولة عن العملات الرقمية تحاول جاهدة خفض آثارها الكربونية وهو ما كان واضحا من تصرف “إيثيريوم” والمعاهدة الأخيرة، ولكن النتيجة الحقيقة لمثل هذه المحاولات لن تظهر إلا إذا حاول المعدنون أنفسهم إيجاد حلول مبتكرة من أجل التعدين وتقليل الأثر الكربوني لهم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.