الاستثمار في التوكنز كمشاريع ناشئة

الاستثمار في التوكنز كمشاريع ناشئة
استمع إلى المقال

مع صعود البتكوين خلال الفترة الحاليّة عادت إلى الواجهة مشاريع التوكنز (token) الّتي تسلب الحالمين بالثراء السريع أموالهم، كان آخرها توكّن لعبة الحبّار (Squid game) الّتي سلبت الناس أموالهم في خدعة مزدوجة مزجت أسلوب سحب البساط (rugpull) ووعاء العسل (honey pot).

ماهو التوَكن؟

في البداية علينا تعريف ما هو التوكّن وما الفرق بين التوكّن وبين العملات الرقميّة (Coins) كالبتكوين أو الإيثيريوم. التوكّن يتمّ إنشاؤها على شبكة داعمة لميزة العقود الذكيّة (smart contract) وتتمّ حركة التوكنز على ذات الشبكة وضمنها فقط. وعند تحريك قيمة معيّنة من التوكنز، يتمّ قطع كلفة التحويل بعملة الشبكة مقابل التفاعل مع العقد الذكيّ الخاصّ بالتوكّن المتحرّكة.

مثلًا توكّن (Squid game) كان يستخدم شبكة باينانس الذكيّة (Binance Smart Chain – BSC), أمّا توكن (SafeMoon) فهو على شبكة الإيثيريوم (ethereum), ولإطلاق توكّن جديد، ستحتاج لخبرة في برمجة تقنيّات سلاسل الكتل (Blockchain) بالإضافة لمعرفة باللغات المستخدمة على الشبكة المراد برمجة التوكّن عليها مثل لغة سوليديتي (solidity) المستخدمة على شبكة الإيثيريوم وشبكة باينانس الذكيّة.

وعليه، فإنّ التوكّن أشبه بمشروع شركة ناشئ (startup) وقبيل الاستثمار بهكذا نوع من المشاريع، على المستثمر التفكير ودراسة الوضع بشكل جيّد، حيث أنّه من الممكن إسقاط تجارب الاستثمار في الشركات الناشئة على الاستثمار في التوكنز من ناحية فهم المنتج قبل الخوض بالاستثمار، بالإضافة للناحية لتحليل الناحية التقنيّة عند الحديث على التوكنز والّذي قد يوفّره استخدام بعض الأدوات والّتي سيتمّ مناقشتها في هذه المادّة.

فكرَةُ المشروعِ وَهلْ لهُ استخدامٌ حقيقيٌّ

الخطوة الأولى في تقييم التوكّن هي تقييم المشروع الّذي قام عليه هذا التوكّن، وعليك أن تجيب على الأسئلة التالية :

ما هو المشروع الخاصّ بالتوكّن؟

وجود المشروع أمر هامّ لكونه الضمان الوحيد لمستقبل فيه إقبال من المستخدمين على شراء التوكّن، أضف إلى ذلك هل المشروع قابل للتوسّع وهل من الممكن إيجاد استخدامات أخرى للتوكّن في المستقبل؟ مثال على تلك المشاريع، الألعاب الإلكترونيّة.

هل تتوقّع له النجاح؟

حاول تقييم مشروع التوكّن كمشروع ناشئ، هل تتوقّع له الاستمرار والنموّ؟ حيث أنّ الدراسات االإحصائيّة وجدت أنّ 90% من الشركات الناشئة تفشل، ويتضاعف الرقم في عالم العملات الرقميّة لكونه قطاع ناشئ ومتسارع وعليه لا يوجد إحصائيّات دقيقة عن الرقم، ولكنّ المتعارف عليه أنّ نسبة الفشل في مشاريع العملات الرقميّة بالمقارنة مع نسبة فشل المشاريع التقليديّة، و التوكنز أسوأ من هذه الناحية بالمقارنة مع العملات الرقميّة، كما أنّ فشل المشروع يعني فشل الاستثمار كاملًا، حيث أنّه لا يوجد أثاث أو أجهزة قد تبيعها عند فشل المشروع بالمقارنة مع المشاريع التقليديّة.

هلْ للتوكن اِستخدام حَقيقي داخل المَشروع؟

يعتبر هذا السؤال الأهمّ طرحه عند تقييم توكّن ما، حيث أنّه وحتّى لو كان المشروع الأساسيّ ناجحًا ولكن لا ارتباط للتوكّن بشكل عضويّ بالمشروع، فهذا يعني أنّ التوكّن الّتي تمّ صكّها لا تمتلك مشروعًا حقيقيًّا. مثال على ذلك، أحد المشاريع الّتي قمّت بدراستها والّتي كانت عبارة عن لعبة إلكترونيّة مميّزة وتمّ إصدار توكّن خاصّة بها، إلّا أنّ اللعبة كانت تستخدم عملة BNB للدفع بداخل اللعبة والمملوكة من قبل مجموعة أخرى بدلًا من التوكّن الّتي تمّ طرحها من قبل أصحاب مشروع اللعبة.

مُخطط التَطوير (Road Map)

تلجأ بعض التوكنز الاحتياليّة لإضافة مخطّط تطوير لا قيمة له عبر إضافة مهامّ لا قيمة لها ولا تتجاوز إنشاء صفحات وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعيّ خلال فترة التطوير. والّتي بدورها تعتبر جهدًا بسيطًا غير مكلّف. أو مثلًا تحديد “هدف” وهميّ كإيصال التداول إلى 100,000$ والّتي من الممكن إنجازها عبر إنشاء تحريك مبالغ صغيرة على نحو مستمرّ باستخدام روبوت برمجيّ (BOT). بالمقابل فإنّ مخطّط التطوير فعليًّا هو المهامّ التقنيّة والإداريّة والّتي يتوجّب على فريق تطوير المشروع القيام بها والّتي تحتاج بدورها خبرات تقنيّة وماليّة. 

السماءُ تُمطرُ حجارَةً

في المثال التالي سنقوم بتحليل مخطّط التطوير لتوكّن باسم شيبا كيك ( shibaCake ) ونقيم مدى جدّيّة هذا المشروع وإن كان سينجح أم لا.

في الصورة مخطط التطوير لتوكن shibaCake

النقاط المشار إليها باللون الأخضر هي نقاط رئيسيّة وتنفيذها بشكل صحيح سينعكس على سير تطوير المشروع إيجابيًّا لكونها خطوات تطوير حقيقيّة للبنية التحتيّة الخاصّة بالمشروع. بالمقابل، النقاط المشار إليها باللون الأحمر فهي رئيسيّة ولا قيمة فعليّة لها من ناحية مصداقيّة ونجاح المشروع، مثلًا، نقطة وصول عدد الحاملين للتوكّن إلى الرقم 25000, حيث أنّه من الممكن إنشاء محفظات وتوزيع التوكّن عليها على نحو آليّ. ما تمّ تحديده باللون الأحمر يشبه وعود السياسيّين قبيل الانتخابات، ما يهمّ هو العمل الفعليّ وكشف المخطّطات الّتي قد تقود لتنفيذ تلك الوعود.في المخطّط أعلاه، قرّر المطوّرون إيلاء التركيز على ناحية التداول فقط، حيث أنّه من الواضح أنّ الدفع يتمحور حول طرح التوكّن على منصّات التداول ولكن بدون مخطّط فعليّ ورؤية طويلة الأمد للمشروع. وعليه فإنّ المخطّط أعلاه يوحي بأنّ التوكّن هذه لن تنجح.

حسناً، السماءُ تُمطرُ أحياناً

في المثال التالي, سنقوم بتحليل مثال قد يكون إيجابياً و ناجحاً وهو مخطط التطوير لتوكن ( pancakeswap ).

في الصورة مخطط التطوير لتوكن pancakeswap

مستوى الشفّافيّة في هذا المثال أعلى بالمقارنة مع المثال السابق، حيث أنّ كلّ الخطوات المدرّجة باللون الأخضر هي تطويرات حقيقيّة للمشروع، وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على وجود مشروع حقيقيّ ويتمّ العمل عليه، حيث أنّه تمّ عرض النقاط بصورة جليّة وتمّت التفرقة بين ما يتمّ العمل عليه حاليًّا (ongoing) وما سيتمّ العمل عليه قريبًا (upcoming) ومن ثمّ الخطوات المستقبليّة (backlog), وبحسب طريقة إدارة المشاريع (Agile) نجد أنّه لا يوجد أيّ بند ينصّ على وجوب الوصول إلى عدد مستخدمين محدّد كما في المثال السابق، أو إدراج التوكّن للتداول على منصّة ما. المخطّطات الجيّدة تعكس مشاريع جيّدة تمّ وضعها عبر مختصّين لا هواة.

الفَريق المُؤسس

من النقاط المهمّة عند الاستثمار في أيّ شركة هي معرفة الفريق المؤسّس والإداريّ، الشفّافيّة فيما يخصّ المعلومات المهنيّة وخلفيّات أعضاء الفريق وخبراتهم أمر مهمّ ورئيسيّ وقد يحتاج إلى بعض العمل الاستقصائيّ. ولا يكفي التحقّق من خبراتهم المهنيّة وقدراتهم التقنيّة، بل حتّى خلوّ تاريخهم الشخصيّ من النقاط السلبيّة. مثلًا، أن يستخدم مشروع لتوكّن معيّن فريقًا محدّدًا ويدرّج معلومات مهنيّة حول الفريق تظهر بأنّهم عملوا سابقًا في شركات برمجيّة بوظائف إداريّة، إلّا أنّ التحرّي حول تلك الشركات كشف بأنّها ليست سوى شركات وهميّة ذات مواقع إلكترونيّة تمّ إنشائها حديثًا كجزء من عمليّة الاحتيال .

تسلحَ دائماً بِأدواتِ Google dorking عندَ البحثِ وَالتقصي.

مُجتمع التوكّن

من أهمّ مقوّمات نجاح التوكّن وجود مجتمع داعم ومؤمن به كما تحدّثنا سابقًا عن عملة دوج كوين، حيث أنّه ومن المتعارف عليه في وسط مطوّري التوكنز قيامهم بإنشاء مجموعات عامّة على تطبيقات الـ Telegram و Discord في سبيل إنشاء وإدارة المجتمعالداعم، وكمستثمرر عليك الانضمام ومتابعة الوضع قبل التفكير في الاستثمار مع الأخذ بالحسبان الضغط الهائل الّذي قد تتعرّض له من قبل أعضاء المجتمع والّذين لن يتردّدوا بإقناعك بالاستثمار حتّى وإن كانوا غير مقتنعين بالمشروع في مرحلة ما، إلّا أنّ دخولك كمستثمر قد يمنحهم كرت البيع والخروج من المشروع، لذا عليك تحليل الوضع وقراءة ما بين السطور.

إحدى الإشارات السلبيّة لمجتمع ما هو الركود والّذي يعني ضعف الإيمان بنجاح المشروع، بالمقابل إن كانت المجموعات الداعمة ضخمة ونشيطة والنقاش مركز حول كيفيّة تطوير سبل استخدام التوكّن والمشروع المرافق، فتلك إشارة إيجابيّة ومهمّة. في بعض الأحيان قد تجد مجتمعًا ضخمًا ونشيطًا إلّا أنّ الحديث يدور فقط حول سعر التوكّن وكيفيّة تنشيط عمليّات البيع والشراء، تلك قد تكون إشارة سلبيّة حول المشروع.

اِختبر بِنفسكَ

إذا وجدت مشروعًا وكان له استخدام حقيقيّ، قم باختياره بنفسك كمستخدم على أرض الواقع، حيث أنّ بعض المشاريع الاحتياليّة قد تدّعي امتلاك مشروعًا إلّا أنّها ليست سوى واجهات وهميّة بدون خطّة للتطوير. اسأل نفسك هذا السؤال عند اختبارك لمشروع ما، هل أحببت المنتج؟ هل ستقوم باستخدامه يومًا ما كمستخدم نهائيّ؟ مارك زوكيربرغ قام باختبار إحدى التطبيقات شخصيًّا قبيل نسخ إحدى ميزاته وإضافتها إلى الفيس بوك بحسب موقع the Verge.

صورة لمارك اثناء اختباره مشروع الشركة المنافسة Phhhoto بنفسه قبل نسخ ميزاته . مصدر الصورة theVerge نقلا عن ملفات قضية شركة Phhhoto ضد ميتا (فيسبوك سابقا) .

خاتمة

يندرج الاستثمار في المشاريع الناشئة التقليديّة في خانة الاستثمارات ذات المخاطر العالية، والمخاطرة في عالم التوكنز والعملات الرقميّة أعلى من تلك التقليديّة بإضعاف. من واجب المستثمر التزام الحذر وعدم الانسياق خلف القطيع وتصديق أكاذيب بائعيّ وهم الثراء السريع كخطوة أولى، ومن ثمّ التسلّح بالمعرفة وفهم المشاريع الّتي يتمّ الاستثمار بها قبل دفع أيّ دولار في تلك الاستثمارات. يقول المستثمر والملياردير الأمريكيّ وارن بافت “أستثمر بما تعرف” والمعرفة مفتاح الاستثمار الناجح.وإن كنت تفكّر بطرح عملة أو توكنز جديدة، قم بالتريّث وتعرّف على تقنيّة سلاسل الكتل بشكل جيّد والّتي قد تفتح لك الأفق عبر تطوير وتحسين مشروع موجود مسبقًا وزيادة الأرباح بدون الحاجة لخوض مضمار طرح العملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.