عبر نموذج ذكاء اصطناعي.. “ميتا” تتحدى هيمنة “ChatGPT”؟

استمع إلى المقال
|
شركات التكنولوجيا تتحارب من أجل الهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي الناشئ، لكن هل تستطيع شركة “ميتا” المنافسة من خلال إطلاقها لنموذج مفتوح المصدر، وما هي الفوائد المرجوة منه بالنسبة لعملاقة التواصل الاجتماعي.
جزء كبير من الخوف بشأن التقدم في الذكاء الاصطناعي التوليدي ناتج عن مسألة مَن يتحكم بهذه التقنيات، هل هي شركات التقنية الكبرى التي تملك قوة حاسوبية هائلة وبيانات لبناء نماذج ذكاء اصطناعي جديدة أو المجتمع ككل.
هذه المخاوف تتطرق أيضا إلى الجدل ما إذا كان يجب على الشركات الاحتفاظ بنماذج الذكاء الاصطناعي داخل الشركة أو إتاحتها بشكل أكثر انفتاحا.
مع استمرار الجدل، نمت قضية الانفتاح، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه ليس من المستدام الاحتفاظ بالتكنولوجيا الأساسية في أيدي عدد قليل من الشركات الكبيرة في ظل وجود المصادر المفتوحة المفيدة للجميع.
مثل جميع التقنيات الأساسية، من أجهزة الإرسال اللاسلكية إلى أنظمة تشغيل الإنترنت، فإن هناك العديد من الاستخدامات لنماذج الذكاء الاصطناعي، بعضها يمكن التنبؤ به والبعض الآخر لا.
بشكل يشابه أي تقنية أخرى، قد يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحقيق غايات جيدة وسيئة على حد سواء من قبل الأشخاص المختلفين.
نتيجة لذلك، لا يمكن الرد على عدم اليقين هذا عبر الاعتماد على أمل أن تظل نماذج الذكاء الاصطناعي سرّية، حيث أن المصدر المفتوح قد يكون الحل المناسب.
هناك العديد من نماذج اللغات الكبيرة المفتوحة المصدر، مثل (Falcon-40B) و(MPT-30B)، والعشرات قبلها. كما أن البنية التحتية للإنترنت التي نستخدمها كل يوم تعمل بالاعتماد على التعليمات البرمجية المفتوحة المصدر.
بينما لا يمكن من الناحية العملية القضاء على المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لكن يمكن التخفيف منها من خلال الشفافية بشأن كيفية عمل الأنظمة والتعاون المشترك مع الحكومات والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني.
كما يجب إخضاع أنظمة الذكاء الاصطناعي لاختبار الضغط مع مشاركة الشركات لتفاصيل عملها أثناء التطوير، سواء كان ذلك من خلال الأوراق الأكاديمية والإعلانات العامة، أو المناقشة المفتوحة للفوائد والمخاطر، أو إتاحة التكنولوجيا نفسها للبحث وتطوير المنتجات.
مؤخرا، أصدرت “ميتا” 22 بطاقة نظام لـ “فيسبوك” و”إنستغرام”، التي تمنح الأشخاص نظرة حول الذكاء الاصطناعي وراء كيفية تصنيف المحتوى والتوصية به بطريقة لا تتطلب معرفة تقنية عميقة.
كما أن “ميتا” عضو مؤسس في التحالف غير الربحي الملتزم بالاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي “Partnership on AI”، جنبا إلى جنب مع “أمازون” و”جوجل” و”مايكروسوفت”.
علاوة على ذلك، تشارك “ميتا” في مبادرة “Framework for Collective Action on Synthetic Media”، التي تمثل خطوة مهمة في ضمان إنشاء حواجز حماية مسؤولة حول المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
“ميتا” تعتقد أن الانفتاح يصبّ في مصلحتها، حيث يؤدي إلى منتجات أفضل وابتكار أسرع وسوق مزدهرة، وهو ما يفيدها كما يفيد الآخرين.
هذا لا يعني أن كل نموذج يجب أن يكون مفتوح المصدر، إذ هناك دور لكل من نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة والمفتوحة، لكن الانفتاح هو أفضل حل للمخاوف المحيطة بالذكاء الاصطناعي.
الانفتاح يسمح بالتعاون والتدقيق، ويمنح الأنشطة التجارية والشركات الناشئة والباحثين إمكانية الوصول إلى الأدوات التي لا يمكنهم بنائها بأنفسهم، بدعم من قوة الحوسبة التي لا يمكنهم الوصول إليها بطريقة أخرى، مما يفتح عالما من الفرص الاجتماعية والاقتصادية.
في سبيل السماح للشركات الناشئة والأنشطة التجارية ببناء برامج مخصصة بالاعتماد على التكنولوجيا، تستعد شركة “ميتا” لإطلاق نسخة تجارية من نموذجها للذكاء الاصطناعي المسمى (Llama).
هذه الخطوة تسمح لشركة “ميتا” بالتنافس مع “جوجل” و”OpenAI” المدعومة من شركة “مايكروسوفت”، التي تتقدم في السباق لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي.
النسخة التجارية من (Llama)، القادرة على إنشاء تعليمات برمجية ونصوص وصور، تعمل بواسطة نماذج اللغات الكبيرة المدربة على كميات هائلة من البيانات وتتطلب قوة حاسوبية هائلة.
بحسب الشركة، فإن هذه النسخة التجارية الجديدة هي مفتوحة المصدر، مما يعني أنها تنشر تفاصيل النموذج الجديد علنا.
هذا التحرك يتناقض مع نهج المنافسين مثل “OpenAI”، التي يوصف أحدث نماذجها “GPT-4” بالصندوق الأسود، حيث أن التعليمات البرمجية والبيانات المستخدمة لبناء النموذج غير متاحة لأطراف خارجية.
خلال الأسبوع الماضي، أشار يان ليكون، نائب رئيس الشركة وكبير علماء الذكاء الاصطناعي في “ميتا”، إلى أن المشهد التنافسي للذكاء الاصطناعي قد يتغير كليا خلال الفترة المقبلة عندما تكون هناك منصات مفتوحة المصدر مفيدة مثل تلك التي ليست كذلك.
الشركة رفضت الحديث عن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي جديد وكيف يمكن تحقيق الدخل منه، لكن جويل بينو، نائبة رئيس الشركة لأبحاث الذكاء الاصطناعي، أوضحت أنه عند إطلاق “ميتا” لمنتج مفتوح المصدر فإنها لا تتخلى كليا عن ملكيته الفكرية، وقد تستخدمه في منتجاتها الأخرى.
في وقت سابق من هذا العام، أطلقت “ميتا” نموذجها اللغوي، المعروف باسم (Llama)، بموجب ترخيص غير تجاري يركز على حالات الاستخدام البحثي، مع خطط لمنح الوصول على أساس كل حالة على حدة.
هذا النموذج متاح للباحثين والأكاديميين، ويأتي بأحجام متعددة هي 7 و13 و33 و65 مليار بارامترات، حيث كلما زاد عدد بارامترات، كان بإمكان النموذج فهم المدخلات بشكل أفضل وتوليد المخرجات المناسبة.
لكن النسخة الجديدة تكون متاحة على نطاق أوسع وقابلة للتخصيص من قبل الأنشطة التجارية، حيث من المتوقع أن يكون الإطلاق قريبا.
الشركة أشارت إلى أن تدريب النماذج الأساسية الأصغر مثل (Llama) أمرٌ مرغوب فيه في مساحة نموذج اللغة الكبيرة لأنه يتطلب طاقة وموارد أقل بكثير للحوسبة لاختبار مناهج جديدة، والتحقق من عمل الآخرين، واستكشاف حالات استخدام جديدة.
إلى جانب ذلك، قدمت الشركة بطاقة توضح بالتفصيل كيفية بناء (Llama)، مع مجموعة من التقييمات حول معايير تقييم تحيزات النموذج والسمية، بحيث يمكن للباحثين فهم القيود والبحث المتقدم في هذه المجالات.
قبل إطلاق (Llama)، قامت “ميتا” بإجراء “الفريق الأحمر”، حيث تضمنت هذه العملية الشائعة في الأمن السيبراني، فِرقا تأخذ دور الخصوم للبحث عن العيوب والعواقب غير المقصودة.
علاوة على ذلك، أوضحت الشركة أنها تقدّم أحدث نماذجها (Llama) لمؤتمر “ديفكون” في لاس فيجاس في الشهر المقبل، حيث يمكن للخبراء إجراء المزيد من التحليل والاختبار وإخضاع النموذج لاختبارات الضغط.
بحسب الشركة، فإن نشر التعليمات البرمجية المفتوحة المصدر يجعل الأنظمة أكثر عرضة للخطر هو افتراض خطأ.
على العكس من ذلك، يمكن للمطوّرين والباحثين الخارجيين تحديد المشكلات التي قد تستغرق وقتا أطول بكثير في حال ظلت بين يدي الفرق الداخلية للشركة.
الباحثون الذين اختبروا نموذج اللغة الكبير، (BlenderBot 2)، وجدوا أنه يمكن خداعه لتذكر المعلومات المضللة. نتيجة لذلك، كان نموذج (BlenderBot 3) أكثر مقاومة لهذا الأمر.
الإصدار الوشيك من “ميتا” يأتي في الوقت الذي يشتد فيه السباق بين شركات التكنولوجيا لإثبات نفسها كمشاركين مهيمنين في الذكاء الاصطناعي.
في وقت سابق من هذا الشهر، تحدث نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في “ميتا”، عن فوائد النهج المفتوح المصدر، قائلا، “الانفتاح هو أفضل حل للمخاوف المحيطة بالذكاء الاصطناعي”.
لكن هذه الخطوة لا تأتي بدوافع أخلاقية فقط، بل إنها تساعد “ميتا” أيضا في محاولاتها للحاق بالمنافسين، حيث قد يسمح النموذج المفتوح المصدر للأنشطة التجارية من جميع الأحجام بتحسين التكنولوجيا وبناء التطبيقات بالاعتماد عليه.
منذ أكثر من عقد من الزمان، تعمل “ميتا” على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن وجدت نفسها متأخرة بعد أن أطلقت “OpenAI” في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي (ChatGPT)، وهو روبوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي، مما دفع شركات التقنية الأخرى لإطلاق منتجات مماثلة.
الهدف الأبرز للشركة من إطلاق نسخة تجارية من نموذجها للذكاء الاصطناعي هو تقليل الهيمنة الحالية لشركة “OpenAI” على هذا المجال الواعد.
في حين أن تقنية “ميتا” مفتوحة المصدر ومجانية حاليا، لكن الشركة كانت تستكشف فرض رسوم على عملاء المؤسسات مقابل القدرة على ضبط النموذج وفقا لاحتياجاتهم باستخدام بياناتهم الخاصة.
خلال الوقت الحالي، لا توجد خطط لفرض رسوم، وقد لا تفعل “ميتا” ذلك في الإصدار القادم.
في عام 2021، أعلن الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرج، عن بناء عالم رقمي مليء بالصور الرمزية يُعرف باسم “الميتافيرس” وأنفق أكثر من 10 مليارات دولار سنويا على المشروع.
لكن ثبت أن هذا الطموح المكلف لا يحظى بشعبية لدى المستثمرين، الأمر الذي جعل “ميتا” تغير الاتجاه وتسابق الزمن لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
في وقت سابق من هذا العام، أنشأت عملاقة التواصل الاجتماعي وحدة ذكاء اصطناعي توليدي بقيادة كبير مسؤولي المنتجات، كريس كوكس.
إلى جانب تطوير المنتجات، توسع فريق كوكس إلى الجانب البحثي للذكاء الاصطناعي، حيث كان ينشئ نشاطا تجاريا جديدا تماما.
في وقت سابق من هذا العام، ألمح زوكربيرج إلى الدفع نحو إنشاء روبوتات دردشة متعددة للأفراد والمعلنين والشركات عبر منصات الشركة المختلفة، “واتساب” و”فيسبوك” و”إنستغرام”، بدعم من النماذج اللغوية الكبيرة.
الفائدة من النماذج المفتوحة المصدر تتضمن نسبة قبول أعلى من قبل المستخدمين الذين يوفرون المزيد من البيانات حتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من معالجتها، حيث كلما زادت بيانات النموذج اللغوي الكبير، تصبح قدراته أكثر قوة.
علاوة على ذلك، تسمح النماذج المفتوحة المصدر للباحثين والمطوّرين باكتشاف الأخطاء ومعالجتها، وتحسين التكنولوجيا والأمن بشكل متزامن.
هذا الأمر يقلل من المشاكل التي قد تواجهها الشركة. على مدار السنوات القليلة الماضية، تعرضت شركات التكنولوجيا، مثل “ميتا”، للتدقيق بشأن العديد من فضائح الخصوصية والمعلومات المضللة.
في حين أن توفير البرمجيات مجانا قد يبدو مناقضا لكسب المال، يعتقد الخبراء أن الشركات يمكنها أيضا استخدام هذه الاستراتيجية للاستحواذ على أسواق جديدة.
بالنظر إلى أنها تقنية مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي، فإن الوصول التجاري إلى (Llama) يمنح الأنشطة التجارية من جميع الأحجام الفرصة للتكيف مع الذكاء الاصطناعي وتحسينه، وتسريع الابتكار التكنولوجي عبر مختلف القطاعات، وربما يؤدي إلى نماذج أكثر قوة.
بشكل عام، بالرغم من وجود نماذج مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي، فإن إطلاق (Llama) تجاريا لا يزال خطوة مهمة، نظرا لكونه أكبر من العديد من النماذج اللغوية الكبيرة المفتوحة المصدر المتوفرة في السوق، إلى جانب حقيقة أنه قادم من إحدى أكبر شركات التكنولوجيا فى العالم.
ختاما، يعني الإطلاق أن “ميتا” تتنافس مباشرة مع “جوجل” و”OpenAI” و”مايكروسوفت”، وقد تؤدي هذه المنافسة إلى تحقيق تقدم كبير في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أثارت الأنظمة المغلقة، مثل تلك المستخدمة في (ChatGPT)، انتقادات بشأن الشفافية والأمن.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.